تخيل ثلاثة أطفال يركضون حول عمود إنارة مشكلين سلسلة بأذرعهم. ويمسك الطفل الأقرب العمود بيد واحدة، وكلما ركضوا أسرع ساعدت قوة الطرد المركزية على تفريق السلسلة التي يشكلونها. وكلما أحكموا قبضتهم على العمود، ساعدت القوة الجاذبة على تماسك السلسلة، وفي النهاية تتغلب قوة الطرد المركزية على القوة الجاذبة وتنفصل السلسلة. وهذا أساساً هو ما يحدث في هذا البلد، بحسب ما ذكر «جوناثان هايدت» خلال محاضرة ألقاها بمعهد مانهاتن في شهر نوفمبر. فقد سرد بعض الأسباب التي تجعل قوة الطرد المركزية تتغلب على القوة الجاذبة حالياً: فقدان أعدائنا المشتركين في الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، ووسائل الإعلام المجزأة بشكل متزايد، وتطرف الحزب «الجمهوري»، وشكل جديد من سياسة الهوية، لا سيما في الحرم الجامعي. وأثار «هايدت» نقطة مثيرة، وهي أن سياسة الهوية في حد ذاتها ليست مشكلة. إن سياسة الهوية هي مجرد تعبئة سياسية حول خصائص المجموعة. المشكلة هي أن سياسة الهوية قد أسقطت عناصرها الجاذبة وأصبحت قوة طرد مركزية تماماً. وقد وصف «مارتن لوثر كنج» نظام الفصل العنصري والظلم باعتبارهما قوتين تمزق إحداهما الأخرى. وقد ناشد المبادئ العالمية وإنسانيتنا المشتركة باعتبارهما وسائل لعلاج العنصرية وتوحيد الأمة، كما ناشد المبادئ الدينية المشتركة، وعقيدة الآباء المؤسسين ولغة الحب المشتركة لطرد العنصرية. وقام كنج بـ«تأطير فشلنا الأخلاقي العظيم كفرصة لاسترداد القوة الجاذبة»، بحسب ما قال هايدت. ومن سياسة الهوية التي أكدت على إنسانيتنا المشتركة، ذهبنا إلى سياسة هوية تؤكد على أن يكون لدينا عدو مشترك. والأحداث الجارية في الحرم الجامعي غالباً ما توصف كصراعات خالصة على السلطة - المستبدون يعملون على الحفاظ على امتيازاتهم على المضطهدين الشرفاء. وقال هايدت: «إن هناك شيئاً مضحكاً يحدث عندما تأخذ شباباً وتملأ عقولهم بأفكار تعزز استقطابهم وتجعلهم يتمسكون بانتماءاتهم الأولية، فأنت تقول لهم إن جانباً واحداً في كل ثنائي جيد والآخر سيئ، وتقوم بتشغيل محفزات انتماءاتهم القديمة، وإعدادهم للمعركة. العديد من الطلاب يجدون ذلك مثيراً، فهو يغمرهم بشعور من المعنى والغرض»، المشكلة هي أن التفكير المتعلق بالعدو المشترك يمزق أمة متنوعة. وهذا النمط ليس فقط في الحرم الجامعي. انظر إلى الاستقطاب السلبي الذي يميز سياستنا، ولم تعد الأحزاب، أيضاً، مرتبطة معاً بالعقائد، بل بالأعداء. في عام 1994، كان 16% فقط من «الديمقراطيين» لديهم وجهة نظر «سلبية للغاية» عن الحزب «الجمهوري»، والآن ارتفعت هذه النسبة إلى 38%، كما ارتفعت نسبة «الجمهوريين» الذين يحملون «رؤية سلبية للغاية» لـ«الديمقراطيين» من 17% في عام 1994 إلى 43% حالياً، وعندما طلب مركز «بيو» للأبحاث من «الديمقراطيين» و«الجمهوريين» التحدث عن بعضهم البعض، كان الطرفان يميلان إلى استخدام نفس الكلمات: عقولهم مغلقة، غير أمناء، غير أخلاقيين، كسولين وغير أذكياء. وعلاوة على ذلك، لن يكون من السهل العودة إلى الشكل الإنساني المشترك للسياسة. لقد كان «كينج» يعمل عندما كانت هناك ثقة اجتماعية عالية. كان بإمكانه الاستفادة من ميتافيزيقا (ما وراء الطبيعة) إنجيلية نوقشت على مدار أكثر من 3000 عام. وكان بإمكانه الاستفادة من الديانة المدنية الأميركية التي تم تنقيحها على مدار 300 عام. ورغم ذلك، فعلى مدى الجيلين السابقين، أدت الفردية المفرطة والتعليم السيئ إلى تآكل كل من مصادر التماسك هذه. وفي عام 1995، نشر المفكر الفرنسي «باسكال بروكنر» كتاباً بعنوان «إغراء البراءة»، قال فيه إن الإفراط في النزعة الفردية يؤدي بطريقة متضادة إلى القبلية سواء كانت مجموعة يشعر فيها المرء بالتضامن أو مجموعة متباعدة وعرضة للكراهية والعداء. والفردية الحديثة تعفي كل شخص من الالتزام الاجتماعي، ولكن «لأنه موجه فقط بوساطة قنديل من فهمه الخاص، يفقد الفرد كل تأكيدات المكان والأمر والتعريف، وربما يكون قد حصل على الحرية، لكنه فقد الأمن». وفي مجتمعات مثل مجتمعنا، يكون الأفراد مسؤولين عن هويتهم وسعادتهم ونجاحهم. «يجب على كل فرد الترويج لنفسه كشخص لكي يكون مقبولاً»، بحسب ما كتب بروكنر، ونحن جميعاً نقارن أنفسنا بالآخرين، وبالطبع، نفشل. وأكبر قلق يكون أخلاقياً، وعلينا أن نكتب أجندة خاصة بنا تحدد فضائلنا. وأسهل طريقة للقيام بذلك هي أن تروي قصة مستبد/ مضطهد يكرس الاستقطاب، وأن تبني براءتك الشخصية على وضعك كضحية. كل فرد يمكنه العثور على قصة ضحية شخصية، وبمجرد أن تحدد المضطهد لعشيرتك - سواء كان النظام النيوليبرالي، أو نخبة وسائل الإعلام أو الذكور البيض، أياً كان – سيكون خيرك في أمان، فأنت لديك فضيلة دون التزام. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»