«زوما»، الذي حل قبل أكثر من عشر سنوات محل «مبيكي» كرئيس لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، كان له حضور شعبي افتقر له «مبيكي»، ونجح في تعديل السياسات ضيقة الأفق بشأن فيروس «إتش آي في» الأمل في جنوب أفريقيا بات معقوداً على فوز «سيريل رامافوز»، نائب الرئيس الذي نجح بالفعل في تولي رئاسة حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي»، إثر منافسة مع زوجة سابقة لزوما اجتثاث الفساد لن يكون سهلاً، وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، مثل كثير من حركات التحرر قبله، لن يترهل بسهولة، وما يزال له أنصار مطيعون وملتزمون بأحلام سنوات مانديلا ---------------------------- في بداية كتابه الجديد «حرس الرئيس»، يتذكر الصحافي الاستقصائي الجنوب أفريقي «جاكس باو» كيف أن كاتب مقالات قال ذات مرة: «لو أن الصحافيين كانوا يجمعون قمامة المجتمع.. فسأكون في وضع أسوء حالاً منهم». وقبل ما يناهز ثلاثة عقود، نقّب «باو» في «مقالب قمامة» جنوب أفريقيا ليكشف عصابات الموت تحت مظلة الفصل العنصري. وعاد الآن من جديد في رحلة «استقصاء حول الفساد والمحسوبية»، على نحو يجعل كل من يكترث لمستقبل جنوب أفريقيا ممتنين له. ويبدو الكتاب مثل «رواية» مثيرة، تشمل مقابلات مع عميل منفي في موسكو، ولقاءات في مقاه ومطاعم ومزارع في بريتوريا، عاصمة جنوب أفريقيا، لكنه في الحقيقة أكثر من ذلك بكثير. فالكتاب يكشف بالتفصيل الفساد والمحسوبية في قلب إدارة جنوب أفريقيا، ويعتبر أحد الكتب المحورية منذ نهاية حكم البيض. ويُسلط كتاب «باو» الضوء على حالة الضبابية بين «حزب المؤتمر الوطني الأفريقي» والدولة الجنوب أفريقية خلال السنوات الثماني التي تولى فيها جاكوب زوما الرئاسة، وما صاحب ذلك من انتشار للفساد في كثير من المؤسسات المملوكة للدولة، حسب زعم المؤلف. ويقول باو: «منذ اللحظة التي أصبح فيها زوما رئيساً، أضحت الجمهورية تُباع وتُشترى، وفي ظل حكمه أصبحت جنوب أفريقيا دولة بحكومتين، إحداهما منتخبة، والأخرى حكومة ظل.. دولة داخل الدولة». وقد تلاشت أية شكوك بشأن صحة تلك الاتهامات مع انكشافات العام الماضي بشأن كيفية ارتباط الإمبراطورية التجارية لعائلة «غوبتا»، المكونة من ثلاثة أشقاء هنود جاؤوا إلى جنوب أفريقيا في منتصف التسعينيات، بأعمال الحكومة. وما يجعل من كتاب «باو» مهماً هو أنه يغوص بالتفاصيل في أعماق الحياة الرسمية. وهدفه هو معرفة أدق التفاصيل بشأن الوكالات الحكومية التي يهيمن عليها الموالون والمقربون، ويسلط الضوء بصورة خاصة على تقويض الهيئات التي كان أداؤها مثيراً للإعجاب في ظل رئاسة نيلسون مانديلا ومن بعده «ثابو مبيكي»، لكن يبدو الآن أنها تدين بالولاء للرئيس وليس للدولة. ويشير المؤلف إلى قصص نجاح «هيئة تحصيل الضرائب المحلية»، التي يُطلق عليها اسم «جهاز إيرادات جنوب أفريقيا»، خلال العقد الأول من حكم الأغلبية. وفي ظل قيادة «برافين جوردان»، وهو ناشط شيوعي سابق مناهض للفصل العنصري، وموظفيه المخلصين من محاسبين ومحققين وموظفين مدنيين، تمكن الجهاز من تحقيق تحول كبير في عملية جمع الضرائب. وقد كان لذلك النجاح محورياً في تمويل دعائم سياسات «حزب المؤتمر الوطني الأفريقي»، لاسيما توزيع الهبات الاجتماعية على زهاء 17 مليون جنوب أفريقي سنوياً. غير أن «باو» يشير إلى أنه خلال السنوات القليلة الماضية، تم تجريد «الجهاز» من معظم قياداته المؤثرة عبر حملة من التشويه والتدخلات السافرة، وفي ظل الحرس الجديد، أصبحت عملية جباية الضرائب مشوبة بالغموض. ويتساءل: لماذا كان ذلك الجهاز بالتحديد هدفاً، موضحاً أن أحد المقربين من الإدارة كان يمتلك شركة تبغ، وأخضعتها وحدة خاصة تابعة للجهاز لتحقيقات حول التهرب الضريبي. ويزعم المؤلف أن الرئيس زوما لم يدفع الضرائب في سنوات عمله كرئيس، وقبل ذلك عندما كان نائباً للرئيس. ويدّعي «باو» في كتابه أن تسييس النظام القضائي الجنائي في جنوب أفريقيا بدأ في ظل رئاسة «مبيكي»، لكنه تسارع بوتيرة كبيرة وبتبعات مأساوية في ظل إدارة زوما. ويعتقد أن السبب في حصانة من يتهمون بالفساد وشركاتهم واستمرار عملهم لفترة طويلة، هو أن وكالات إنفاذ القانون لا تزال تدعمهم، لافتاً إلى أن تلك الوكالات التي يشير إليها في العنوان الفرعي لكتابه: «أولئك الذين يُبقون زوما في السلطة»، أبقت 783 اتهاماً بالفساد ضد الرئيس معلقة لأكثر من عام. وسعت الحكومة في جنوب أفريقيا منذ أكثر من ربع قرن وصم «باو» بأنه يسعى للتشهير ونشر الشائعات والأقاويل المرسلة ويهدد الدولة، وهي اتهامات لا يزال يواجهها في الوقت الراهن من قبل أنصار الإدارة الحالية. وخلال السنوات الأخيرة المضطربة من حكم البيض كان «باو» واحداً من مجموعة صغيرة من الصحافيين الأفارقة الذين كشفوا وجود عصابات الموت التابعة للفصل العنصري. وكتابه «في قلب الفجور» كشف عالم ظل إجرامي من الشرطيين المارقين والوكلاء الذين ساعدوا في تعزيز الفصل العنصري. وتم نشر الكتاب في مواجهة محاولات منسقة من قبل القوى الفاعلة في نظام الفصل العنصري لتقويض مزاعمه. ويتعرض «باو» وكتابه مرة أخرى لضغوط، وبعد وقت قصير من صدوره قبل أكثر من شهر، أصدر جهاز أمن الدولة أمر «مصادرة» في محاولة لوقف مزيد من المبيعات، واعتبرت أنه يشكل خطراً على الأمن القومي. ويُقرّ المؤلف بأن «زوما»، الذي حل قبل أكثر من عشر سنوات محل «مبيكي» كرئيس لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، كان له حضور شعبي افتقر له «مبيكي»، ونجح في تعديل السياسات ضيقة الأفق بشأن فيروس «إتش آي في» المسبب لمرض الإيدز، لكنه بالتعاون مع وزير ماليته الذكي «تريفور مانويل»، نجحوا في السيطرة على كثير من مصادر القوة. ويرى المؤلف أن الأمل بات معقوداً على فوز «سيريل رامافوز»، نائب الرئيس الذي نجح بالفعل في تولي رئاسة حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي»، إثر منافسة مع زوجة سابقة لزوما. ويرى أن «رامافوزا» يرتكز على ماضيه كزعيم قوي للاتحاد ومفاوض حذق مع آخر حكومة أقلية للبيض، وعلى مدار سنوات تفادى السقوط في لعبة الفساد، ويأمل المعتدلون في الحزب أن يتمكن من تولي دفة القيادة. وأكد «باو» أن اجتثاث الفساد لن يكون سهلاً، غير أن حزب المؤتمر، مثل كثير من حركات التحرر قبله، لن يترهل بسهولة، مؤكداً أنه لا يزال له أنصار مطيعون وملتزمون بأحلام سنوات مانديلا. وذكر المؤلف أن القائد الملائم يمكنه رغم كل شيء تصويب الأخطاء الفادحة التي ارتكبت على مر السنوات الأخيرة، ويقود جنوب أفريقيا إلى المسار الصحيح. غير أنه حذر من أن الفساد له قدرة لا تُصدق على خداع الهزيمة السياسية والبزوغ من جديد بقبضته. وائل بدران الكتاب: حرس الرئيس المؤلف: جاكس باو الناشر: تافيلبيرج تاريخ النشر: 2017