أولاً، الأشخاص الذين يذهبون إلى البيت الأبيض للاجتماع مع الرئيس دونالد ترامب عادة ما يخرجون متفاجئين بشكل سار، فهم يجدون أن ترامب ليس هو الشخص المجنون الهائج الذي توقعوه كما يتبين من تغريداته العاصفة أو التغطية الإعلامية، وهم بشكل عام يقولون إنه دمث، وإن كان مملاً. وهو يدير اجتماعاً طبيعياً جيداً ويبدو أنه على دراية بشكل كافٍ لتدبر الأمر. ثانياً، الأشخاص الذين يعملون في إدارة ترامب لديهم وجهات نظر متباينة للغاية عن رئيسهم، فالبعض يعتقدون يتصرف بطريقة غريبة، كما ذكر «مايكل وولف»، ولكن البعض الآخر يعتقد أنه يمكنهم العمل معه. ويعتقد آخرون أنه غريب، ولكنه ليس مستحيلاً، بينما يعرب البعض عن إعجابهم بترامب. وانطباعي هو أن إدارة ترامب هي مكان غير سعيد للعمل به، لأن هناك الكثير من الاقتتال الداخلي وغالباً لا تكون هناك توجيهات من أعلى، ولكن هذه ليست إدارة مليئة بالأشخاص الذين يتوقون لاستدعاء التعديل الـ25. ثالثاً، إن البيت الأبيض يزداد مهنية. تخيلوا لو كان ترامب لا يغرد. كان جنون الأسابيع الماضية سيخرج عن المسار، وكنا سنرى بيتاً أبيض يسعى بنشاط لتحقيق أهدافه: تغيير سياستنا بشأن باكستان، وتغيير سياستنا بشأن الحفر خارج البلاد، وثمار سياستنا للقضاء على تنظيم «داعش» والترشيحات لمنصب القاضي، وتشكيل سياسات متعلقة بالبنية التحتية وبرنامج القرار المؤجل بحق القادمين إلى الولايات المتحدة في طفولتهم (داكا)، وكوريا الشمالية والتجارة. ويبدو الأمر وكأن هناك تقريباً «بيتين أبيضين»: بيت أبيض ذو مظهر خادع (بوتمكين)، وهو ما نميل للتركيز عليه: ترامب منفعل أمام التليفزيون، والمحامون يعملون في التحقيق الروسي. وهناك أيضاً بيت أبيض غير مرئي لن تسمع عنه إطلاقاً، ويزداد فعالية في الإدارة الحالية. أحياناً أتساءل عما إذا كان البيت الأبيض الخفي قد تعلم استخدام البيت الأبيض «البوتمكين» ليضللنا بينما يقوم هو بتغيير البلاد. إنني أذكر هذه الملاحظات غير المريحة لأن حركة مناهضة ترامب، تبدو أنها تزداد حمقاً. ويبدو أنها تتحول إلى نسخة متعجرفة وخرافية من الواقع الذي يغربل المعلومات المتناقضة. وتعاني الحركة المناهضة لترامب من التقوقع. ومعظم الناس الذين يكرهون ترامب لا يعرفون أي شخص يعمل معه أو يدعمه. وإذا كان لديهم أصدقاء أو أفراد من أسرهم يعجبون بترامب، فإنهم لا يتحدثون عن هذا الموضوع. لذا فإنهم يحصلون على معظم المعلومات الخاصة بالترامبية (ترامبيزم) من آخرين يكرهون الترامبية أيضاً، وهو الأمر يُعد طريقة للانغلاق المعرفي. كما تعاني الحركة من الافتقار إلى الثقافة. والشخص عديم الثقافة يتجاهل المعايير الصحفية أو الفكرية العادية. وهو يخلق نمطاً من التواصل لا يجعلك تفكر كثيراً، بل يجعلك تفكر وتلاحظ بدرجة أقل. وهو يقدم نظاماً ثابتاً من التأكيد، ويركز على موضوعات بسيطة تتطلب خلفية معلوماتية بسيطة، ويجعل المشاهدين معتادين على جرعات يومية من ازدراء الصالحين والتبرير الممتع. ونحن المناهضين لترامب لدينا أيضاً افتقار إلى الثقافة، ولكن هذا الافتقار إلى الثقافة المناهض لترامب يتحول إلى ازدهار تام مع صدور كتاب «وولف». ولا يتظاهر «وولف» بأنه يتمسك بالمعايير الصحفية العادية، وهو يعترف بسعادة بأنه يطرح شائعات جيدة جداً للتحقق منها. وكما كتب «تشارلي وارزيل» في موقع «بازفيد»: «بالنسبة لكتاب وولف، تبدو الحقيقة تقريباً مصدراً ثانوياً لموضوع مهم هو المشاركة». وأقصى اختبار للشخص عديم الثقافة ليس ما إذا كان يتحداك، أو يعلمك أو يلتقط معالم الحقيقة، إنه بالأحرى ما إذا كنت تشعر بالرغبة في تقاسم هذه المعالم على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي كل حرب، ينتهي الحال بالأمم بأن تشبه أعداءها، لذا فإنني أعتقد أنه من الطبيعي أن ينتهي الحال بالحركة المناهضة لترامب بأن تشبه الحركة الموالية له. وقد لاحظت أن الكثير من الشباب ينظرون إلى هيستيريا يومية رتيبة لنا نحن المناهضون لترامب ويجدونها سخيفة. هذا ليس مجرد صراع على رئيس. إنه صراع على القواعد التي سنتبعها بعد ترامب، فهل سننحدر نهائياً إلى معيار ترامب للسلوك المقبول؟ أم أننا سنستعيد القدرة على التمييز بين التفوق والتوسط وبين الحقيقة والكذب؟ هل سنصر على الفرق بين الخبير الحقيقي والمتفاخر غير المطلع؟ هناك تسلسل هرمي للتفوق في كل مجال، وهناك فرق هائل بين صحفيي «نيويورك تايمز» ومروجي الشائعات. وجزء من هذا الصراع يكمن في الحفاظ على هذه الفروق، وعدم الإسهام في استئصالها. ديفيد بروكس كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»