نشرت مجلة «نيويورك»، في الثالث من يناير الجاري، مقتطفات مطولة من الكتاب الذي كان يومها على وشك الصدور لمؤلفه مايكل وولف، بعنوان «نار وغضب داخل بيت ترامب الأبيض». وتسببت القصة التي نشرتها المجلة في ضجة، لأنها كشفت عن معلومات كثيرة عن تصرفات فريق ترامب منذ فوزه غير المتوقع في انتخابات 2016 الرئاسية. وتضمنت المقتطفات تصريحات مثيرة للغضب للغاية من ستيف بانون المستشار الاستراتيجي الأبرز السابق لترامب. وفي الكتاب، وصف بانون اجتماعاً حضره دونالد ترامب الابن وصهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنر ومدير حملته الانتخابية آنذاك بول مانافورت، مع مجموعة من الروس، بأنه «خيانة» وعمل «غير وطني»! وقطع ترامب صلته فعلياً ببانون في تصريحات وصفه فيها بأنه «فقد عقله»، بعد أن خرجت تعليقات بانون عن ترامب الابن إلى النور. وبلغ غضب البيت الأبيض من هذه التصريحات حداً جعله يتخذ إجراءات قانونية في محاولة لوقف نشر الكتاب وملاحقة الكاتب بتهمة التشهير. وأطلع تشارلز هاردر، المحامي الشخصي لترامب، وكالةَ أنباء «رويترز» على مذكرة قانونية تحذر من دعاوى محتملة بحق دار النشر «هنري هولت آند كو»، وقال إنهم سيحاولون منع نشر الكتاب. لكن كل هذا أدى إلى اهتمام مكثف على امتداد البلاد بالكتاب، وجعل دار النشر تعجّل بنشره. وفي الأيام القليلة الماضية، نفدت نسخ الطبعة الأولى وعرض المؤلف إرسال صندوق من الشيكولاتة إلى الفريق القانوني لترامب لأنهم جعلوا الكتاب يتصدر يوم الجمعة الماضي قائمة الكتب الأكثر مبيعاً. وركزت شبكات التلفزيون الرئيسية والبرامج الحوارية على كل الأجزاء المثيرة في الكتاب، والتي جعلت ترامب يبدو كما لو أنه غير مؤهل لمنصبه. وهذه الاتهامات ليست جديدة، لكنها تأتي من رجل تمتع فعلياً بإمكانية دخول غير مقيدة إلى البيت الأبيض ولشهور طويلة خلال العام الأول لترامب في السلطة. وصرح وولف لهيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي)، يوم السبت الماضي، بأن كتابه يخلق «التصور والفهم اللذين سيؤديان في الختام إلى نهاية هذه الرئاسة». ويزعم وولف أنه حتى أكثر الأفراد إخلاصاً ضمن فريق العاملين مع ترامب، قلقون من مدى قدرته على التركيز، وأنه يفتقر إلى المعرفة الأساسية بالحكومة الدستورية، ولديه ميل متزايد ليكرر نفسه مرات. ولم يتعرض رئيس أميركي آخر لمثل هذا الهجوم الشديد بشأن قدراته، وفي فترة مبكرة للغاية من ولايته. وهذا التدقيق في قدرات ترامب، بالإضافة إلى تغريداته بشأن قضايا خطيرة مثل شن حرب نووية، يثير تساؤلات بشأن ما إذا كان سينهي فترة ولايته في المنصب الرئاسي. وقد بدأ بعض المراقبين يهتمون على نحو أكبر بنواحي قوة وضعف نائب الرئيس مايك بينس. ومن المقرر أن يخضع ترامب لأول فحص طبي في 12 من يناير الجاري بعد الإعلان عن هذا الفحص في السابع من ديسمبر، بعد تساؤلات عن حالته الصحية عندما تلعثم في جزء من خطاب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل. ولم تضر قضية أخرى برئاسة ترامب مثلما فعل التركيز الذي لا يتوقف بشأن التدخل الروسي في انتخابات عام 2016. فقد خلصت وكالات الاستخبارات الأميركية إلى أن روسيا تدخلت في الانتخابات لمحاولة مساعدة ترامب على الفوز، ونفت روسيا ذلك وقال ترامب إنه لم يكن هناك أي تواطؤ. وأقر بعض أنصار ترامب بأن الأدلة على التورط الروسي كثيرة، لكنهم ما زالوا غير مقتنعين بأن هناك تواطؤاً كبيراً بين روسيا وحملة ترامب. وحلفاء ترامب، ومن بينهم أعضاء في الكونجرس يصعدون حالياً هجوما مضاداً لا يكل ضد تورط الديمقراطيين في إثارة حرب تفتيش عن النوايا ضد ترامب يدعمها التعاون بين المؤسسات الاتحادية، وخاصة مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف. بي. أي). وإذا أصرت إدارة ترامب وحلفاؤها على إلقاء اللوم على الديمقراطيين و«إف. بي. أي» ووسائل الإعلام في تعقيد المشكلات التي يواجهها ترامب، فهذا يثير احتمال أن ينتهي المقام بها في نهاية المطاف إلى اتخاذ إجراء مباشر لوقف التحقيقات أو ربما استبدال وزير العدل الحالي جيف سيشنز بمرشح جديد يكون مستعداً لإنهاء عمل المستشار الخاص روبرت مولر الذي ينقب في العمق فيما يبدو في العلاقات المالية بين أسرة ترامب ومصرفيين روس. وأدى تحقيق مولر حتى الآن إلى إقرار اثنين من مساعدي ترامب، هما مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين والعضو في حملته الانتخابية جورج بابادوبلوس، بأنهما كذبا على ضباط «إف. بي. آي» في التحقيقات. وإقالة مولر من شأنها أن تتسبب في غضب دستوري في أميركا لم تشهده البلاد منذ أن أقال الرئيس ريتشارد نيكسون وزير العدل في إدارته ونائبه أثناء فضيحة ووترجيت في أزمة عام 1973. وحتى الآن تعهد ترامب ومحاموه بالتعاون مع مولر أملاً في إنهاء التحقيق في أقرب وقت ممكن. وذكرت شبكة «إن. بي. سي. نيوز» التلفزيونية يوم الاثنين الماضي أن مشاورات أولية تجري بشأن احتمال إجراء مقابلة بين مولر وترامب. وإذا أجري الاجتماع فإنه سيوضح ما إذا كان التحقيق سيستمر في عام 2018 ليضيف عراقيل أخرى أمام ترامب في تنفيذ قائمة أولويات شعاره «لنجعل أميركا عظيمة من جديد».