ما يهم في هذه الحياة هو «صافي» وليس «إجمالي» الإنجاز. ووفقاً لهذا الاعتبار، يمكن اعتبار كتاب مايكل وولف الذي نشره تحت عنوان «نار وغضب.. في بيت ترامب الأبيض»، إضافة لصافي إنجازات الرئيس دونالد ترامب. وبمعنى أدق، إذا كان الكتاب يضع نهاية لصعود ستيفن بانون في التراتبية القيادية للحزب الجمهوري، فسوف يخلق ذلك فرصة أفضل لتبلور ائتلاف من أعضاء الحزب يمكن أن يكون أكثر قوة أثناء خوض الانتخابات النصفية لعام 2018. وسوف يمثل ذلك تطوراً جيداً بالنسبة للرئيس. ومنذ تقلده للسلطة، لم يحكم ترامب عن طريق تحالف سياسي حقيقي. ولم يكن هناك أي تطابق في الرؤى بين المشاركين في إدارة حملة ترامب الانتخابية ومؤيديه المتعصبين من جهة، وبين السياسيين المنتخبين الذين كان ينتظر منهم أن يتكفلوا بتنظيم الحملات الانتخابية والفوز فيها من جهة ثانية. وبعد أن اختار «بانون» أسلوب الصدام، بات من المستحيل لجناح ترامب في الحزب الجمهوري وجناحه الآخر المتمثل في الكونجرس أن يلتقيا في مواقفهما. واليوم، وبعد انسحاب «بانون»، ربما أصبحنا نرى أن بوادر تشكيل ائتلاف ترامبي بات قريباً. وهناك نوع من التحالف بين «الجمهوريين التقليديين» الذين يرغبون في رؤية الأغلبية الجمهورية، وهي تتبنى سياسة جيدة، وبين مؤيدي ترامب الأوفياء الذين دأبوا على التصويت للجمهوريين، لكنهم غير راضين عن أدائهم في مجلسي الشيوخ والنواب. وعادة ما ينظر الجمهوريون إلى ترامب على أنه الأداة الضرورية التي تسمح بترجمة السياسات النافعة إلى قوانين. من دون أن ننسى أن هناك هدفاً آخر لائتلاف ترامب يكمن في سعيه لتدمير النظام السياسي القائم الآن، ومن دون أن يحضّر خطة بديلة للحكم. ورغم ذلك، تتملك الموالين لترامب الثقة بأن الرئيس لن يسقط في المستنقع. وهكذا، وطالما أن السياسيين التقليديين يمررون مشاريع القوانين التي يقترحونها ويصادق عليها قضاة المحكمة العليا، وبما أن الترامبيين باتوا واثقين من أن «رجلهم» لن ينساهم، فإن الائتلاف يمكن أن يتشكل ويصبح واقعاً ملموساً. وإذا كان لا يوجد ثمّة من مكان لـ«بانون» في الائتلاف الحاكم المقبل، فمن الأرجح أيضاً ألا تكون هناك فائدة من الاستعانة بسياسيين من أمثال السيناتور الجمهوري عن ولاية أريزونا جيف فليك. ويعود السبب الأساسي لتمرد فليك للاهتمام الذي حظي به من الصحافة بشكل عام، باعتباره الشخصية المعارضة لترامب، وكان دائم الحطّ من شأن الرئيس وكثير التركيز على عيوبه الشخصية. وقد فعل ترامب الكثير مما يستثير النقد، إلا أن وجود رئيس للحزب لا يتوقف عن انتقاد ترامب لن يساعد على تحمل المسؤوليات التي وضعها الناخبون على عاتقه. ويبدو أن السيناتور الجمهوري عن ولاية ساوث كارولاينا ليندساي جراهام بدأ يتقرّب إلى حد ما من ترامب، وربما يحذو آخرون حذوه. وقد بدأنا نتلمس بالفعل الطريقة التي سيعمل بموجبها ائتلاف ترامب المنتظر. وسيكون من المهم الانتباه إلى أن الناخبين الذين صوتوا لترامب يلتمسون من رئيسهم ألا يقع تحت إغراء العمل المؤسساتي، وأن يتخلى عن اتخاذ القرارات الشخصية والمواقف السياسية التي ما كانوا يتوقعونها منه على الإطلاق. وعلى كل حال، جاء الرئيس إلى البيت الأبيض ليبقى. ورغم الأحلام التي يتغنى بها الديمقراطيون وحلفاؤهم والتي يكثرون من ترديدها خلال تصريحاتهم للصحافة، فلن يتم استبعاده من البيت الأبيض. وحتى لو كان سلوكه لا يمكن أن يُغتفر، فلن يسمح ذلك بتقويض الائتلاف الذي بدأ يتبلور لتأييد رئاسته. ثم إن بانون لا يمكن أن يكون سبب السلوك الخاطئ لترامب، ولا يوجد ثمة من مبرر للاعتقاد بأن رحيله سيجعل ترامب أكثر استعداداً لتنكب السلوك السوي أو أن يجعله أكثر نضجاً أو ميلاً للتعمق في التفكير. ولهذه الأسباب، فالسؤال المطروح الآن لا يتعلق فقط بما إذا كان الائتلاف المنتظر يمكن أن يؤدي إلى نتائج من شأنها أن تصرف الناخبين عن النظر إلى العيوب الشخصية للرئيس، بل ما إذا كان لدى الديمقراطيين مرشحين قادرين على إضعاف سلطات الرئيس، وما مدى قدرتهم على مراقبة وتصحيح سلوكياته من النواحي السياسية؟ ويعلم الناخبون الاعتياديون المؤيدون للحزب الجمهوري أن العاصفة التي آثارها بانون لم تخدم إلا رغبات الديمقراطيين ووسائل الإعلام الكبرى التي أرادت معارضة سياسات ترامب وأظهرت قلقها من عدم كفاءته الشخصية لإدارة منصب الرئاسة. لكن، وبالرغم من كل المآخذ على شخصية الرئيس، والحضور المسموم لبانون، ووجود الانهزاميين من أمثال فليك، فإن رئاسة ترامب حققت «صافي إنجاز» لكل الأطراف التي ستشارك في الائتلاف. ويمكن لكل هذه الإعدادات والمواقف أن تتغير في لحظة واحدة، خاصة فيما لو حدث تخبط في معالجة السياسات المتعلقة بما وراء البحار، أو لو وقع الرئيس في سوء حساب يمكن أن يؤدي إلى نشوب حرب. لكن إذا لم تحدث مثل هذه الكوارث، فربما يكون هناك ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح «نهضة ترامب». ويحتاج قادة ائتلاف الحزب الجمهوري لأن يهتموا منذ الآن بالحصول على نتائج ملموسة في الانتخابات النصفية لعام 2018، وأن يثبتوا للناخبين بأن أداءهم هو الأفضل، وأنه أفضل من أداء الديمقراطيين. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»