في رأس كل صفحة من صفحات «الشرق» القطرية ثمة عبارة كانت تثير الضحك في «?الجزيرة» ?القطرية، ?إذ ?تقول ?العبارة ?في «?ترويسة» ?الصحيفة: «?نفنى ?وتبقى ?قطر ?ويبقى ?تميم»?، ?والمعنى ?أن ?أرواح ?القطريين ?فداء ?لكرسي ?تميم. ?وأدخلت ?كلمة «?قطر» ?في ?العبارة ?من ?باب ?التخفيف ?فقط، ?فلن ?يبقى ?تميم ?حاكماً ?بعد ?فناء ?القطريين، ?وهذه ?العبارة ?لا ?تختلف ?في ?معناها ?عن ?عبارة ?أنصار ?طاغية ?دمشق «?الأسد ?أو ?لا ?أحد»?. العبارة المذكورة ليست اجتهاداً من هيئة تحرير الجريدة، بل تأتي في سياق حملة تمجيد ضخمة لـ«الأمير الضرورة»، يقودها النظام القطري بعد القرار الجماعي للإمارات والسعودية والبحرين ومصر بوضع حدٍ لألاعيبه، فدخلت الدولة القطرية في حالة من الذوبان في شخص تميم، فأصبح هو الوطن والدولة والشعب، وهو أو لا أحد، إلى درجة أن عبارة «تميم المجد» وُضعت حتى على أكياس الخيار هناك. ما يهم هنا هو أن هذه الحملة تعد في أدبيات «الإخوان» تأليهاً للحاكم وصناعةً للفرعون، ولطالما سخرت قناة «الجزيرة» من عبارة «بالروح والدم نفديك يا زعيم»، فإذا بها ترفع في عقر دار «الإخوان»، وأمام الشارع الذي تقع عليه «الجزيرة». كان النظام القطري يعيش في بحبوحة سياسية طوال الوقت، فعدد المواطنين بسيط، والموارد الطبيعية كبيرة، ما جعل مشكلاته الداخلية قليلة مقارنة بالدول الكبيرة، كما أنه يملك الإعلام الأكثر سطوة في المنطقة، ومن البديهي أنه يطفئ كاميراته عما يجري في الدوحة، هذا فضلاً عن أن النظام استفاد كثيراً من سياسة التغاضي الخليجية، ومحاولة حل الخلافات بعيداً عن الأضواء، ولم يكن العالم الخارجي يسمع بهم إلا كأشخاص لديهم أموال طائلة يبددونها في شراء الإنجازات والأصوات، وحين وجدوا أنفسهم في مهب الريح ومطالبين بسداد فواتير سلوكهم العدواني، صاروا يمارسون كل ما يشنّع عليه إعلامهم الموجّه إلى الخارج. هذا التشنيع الذي لم يتوقف يوماً لم يكن في لحظة ما لصالح المواطن العربي، أو من باب الرأي والرأي الآخر، أو لنشر قيم الديمقراطية والمشاركة السياسية وتداول السلطة، وإنما لإسقاط شرعية أي نظام لا يحلو وجوده لحكام قطر، ولتهيئة الشارع لقبول «الإخوان» كبديل عن النظام القائم، بمعنى آخر، لم يكن ثمة مبدأ في الموضوع، ولا حرية تعبير ولا هم يحزنون، وإنما لخدمة أهداف النظام القطري. كان الإعلام القطري الموجه إلى الخارج، أعني شبكة «الجزيرة» الضخمة وغيرها من فضائيات وصحف ومواقع ومنصات وأقلام، يسجل النقاط على الدول التي يعاديها النظام القطري، فينتقد قوانينها، ويضخم أخطاءها، ويهاجم سياساتها، ويقول عن مؤسساتها الدينية إنها في خدمة السلطان، ويصف إعلامها بأبواق الحكومة، ويضع أي مظاهر حبّ لحكامها في خانة التأليه، ويتباكى طوال الوقت على الديمقراطية المفقودة فيها. وفي الأزمة الأخيرة، سجل النظام القطري كل تلك النقاط على نفسه بكل مهارة واقتدار، ومن دون خجل بطبيعة الحال.