لا ينكر أحد أن إيران دولة عميقة على أساسها الفارسي، لكن المشكلة التي تعانيها اليوم أعمق، لأنها رضيت أن تحكم شعبها الثري في التنوع بالعرق الفارسي. وهذا يذكرنا بشعوبية مضى عليها زمن أغبر لا يجدي إيران إزالة غبارها الآن. فالفسيفساء الإيراني ليس الفرس فيها أغلبية، فهناك مقابل الاثني عشرية الدستورية الفارسية الشيعية المفروضة على هذا الشعب أكثر من ثلاثين مليون سُني لا يؤمنون بهذا الفكر وخاصة أن الفرس لا علاقة لها تاريخياً بالتشيع العقدي فضلاً عن السياسي. فضربَ النظام- بهذا الفعل الشنيع- شرطَ المواطنة عرض الجبال وليس الحيطان المصمتة في عقلية من يديرون هذا النظام من وراء عباءة المذهبية، التي لا تسع إلا الأقلية العرقية الفارسية، ولا يمكن التوسع فيها حتى تلم الآخرين تحت مظلة محرومة عبر التاريخ الغابر والحاضر العاثر. بعد عهد روحاني اختفى الشعار الذي ملّ الناس من سماعه لعقود مضت على «الثورة الإيرانية»، وهي «الموت لأميركا» وخاصة بعد التوقيع على الاتفاقية النووية التي أخذت من عمر إيران قرابة عقد، لكي تعود مرة أخرى إلى صلب النقاش السياسي بين أميركا والاتحاد الأوروبي ضمن مجموعة «5 + 1». طوال الأربعة عقود الماضية لم تطلق أميركا رصاصة على (إيران الثورة)، في حين إيران في لبنان قتلت قرابة 240 فرداً من المارينز في الانفجار الشهير، وقبل ذلك عندما احتلت السفارة الأميركية بمن فيها في بداية الثورة لقرابة 440 يوماً، وكأن شيئاً لم يكن ومر على «إيران كونترا» وكأن في أذن أميركا الآنك، وعلى قلبها الرّان. وبعد ذلك كله ترفع (إيران- النظام) اليوم شعاراً آخر لدغدغة مشاعر المسلمين المتقدة تجاه «القدس» لتبرر وتتذرع بأنها مستهدفة بمؤامرات كي تمنعها من تحرير القدس وتلك أضحوكة العام 2018 التي لا تنطلي على أحد، خاصة من دعا إلى إزالة إسرائيل من خريطة العالم، إنه نجاد المحبوس اليوم، ولم يحط النظام أذى إسرائيل عن طريق القدس والمسجد الأقصى وفلسطين. صدّام «ذهب» إلى الكويت لـ«يحرر» بيت المقدس، وإيران رغبت احتلال أربع عواصم عربية أيضاً من أجل عيون القدس وكأن عيون العرب والمسلمين والمسيحيين واليهود كذلك قد سُمِلت وعمِّيت عليهم الحقائق إلا عند رجالات النظام في إيران الذين يتباكون على ضياع فلسطين، فيا لفجاعة النظام الآن إن لم يتدارك مساره، ويعيد حساباته وترتيب أوراقه في المنطقة للعودة إلى طهران، وليس الانشغال بإدارة صراعاتها المذهبية في غيرها من الأوطان. وثمَّة تكهنات على مصاريعها للتحدث عن إمكانية تغيير سياسات هذا النظام. ليس هنا في التو نواة جاهزة، لذا الفوضى العارمة هي البديل المتوفر، وهي ليست في صالح أمن الخليج، ولا الأمن القومي العربي، ولا الإسلامي وحتى العالمي. غير أن الحماس لهذه الفوضى ليس حلاً سريعاً لمشاكل إيران الضاربة في الجزء الإنساني لمواطنيها، فـ«البهلوية» تترقب، و«الخلقية» تتربص و«التودية» وغيرها من الأقليات تبحث لها عن سبيل سالك لتولي زمام الأمور.