أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه قد أعطى الاتفاق النووي الإيراني «فرصة أخيرة» بموافقته على استمرار تجميد العقوبات السابقة بموجب الاتفاق، وقال: «رغم رغبتي الشديدة في الانسحاب من الاتفاق إلا أنني لم أفعل ذلك بعد، وحددت مسارين للتقدم: إما إصلاح الأخطاء الكارثية في الاتفاق، أو ستنسحب منه الولايات المتحدة». لكن الرئيس الأميركي قرر في الوقت ذاته فرض عقوبات جديدة مرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان وبرامج تطوير الصواريخ على 14 فرداً وكياناً إيرانيين، وفُرضت كذلك عقوبات على رئيس السلطة القضائية في إيران وآخرين. وينص القرار الذي وقعه الرئيس الأميركي على تمديد تعليق العقوبات الأميركية على طهران لمدة 120 يوماً، وقال ترامب: «إذا رأيت في أي وقت أنه ليس من الممكن التوصل إلى تسوية، فسأنسحب من هذا الاتفاق على الفور» حيث يفرض القانون الأميركي على الرئيس أن يبلغ الكونجرس كل 90 يوماً، عما إذا كانت إيران تحترم الاتفاق، وما إذا كان هذا النص متوافقاً مع المصلحة الوطنية للولايات المتحدة. والتساؤل هنا: ما هو مصير الاتفاق النووي مع إيران في ضوء تحذيرات وسياسات ترامب؟ وهل الولايات المتحدة جادة في التهديد بالانسحاب من الاتفاق النووي أم أن التهديد هنا أسلوب ضغط سياسي؟ وهل تملك واشنطن وسائل ضغط أخرى؟ أعلنت الإدارة الأميركية فرض عقوبات مالية على خمس شركات إيرانية بعد اتهامها بالمشاركة في برنامج صناعة الصواريخ البالستية الإيرانية. وكانت واشنطن قد فرضت حزمة من العقوبات على إيران على مدار الثمانية عشر عاماً الماضية استهدفت جميع القطاعات الحيوية فيها، ما أدى إلى تدهور في الأوضاع الاقتصادية للإيرانيين، إضافة إلى حزمة العقوبات الدولية المفروضة عليها، والعقوبات الأوروبية التي أنهاها الاتفاق النووي. فحسب الخطاب الرسمي في الغرب، كان غرض المفاوضات الممتدة مع إيران التوصل إلى حلول تفاوضية مع طهران لبرنامجها النووي. ومن وجهة نظر مهندسي سياسة العقوبات على إيران فمن شأنها أن تؤدي إلى ضغوط اقتصادية جمة، وبالتالي ستنتقل تداعيات العقوبات الاقتصادية إلى كل أطياف المجتمع الإيراني. لقد طالب الرئيس الأميركي الشركاء الأوروبيين بمعالجة «الثغرات الرهيبة» التي شابت اتفاق عام 2015 حول النووي الإيراني، وإلا فإن بلاده ستنسحب من هذا الالتزام الدولي، هذا على رغم التحفظ الأوروبي على الموقف الأميركي والتمسك بالاتفاق النووي، إذ يعتقد الأوروبيون أن الاتفاقية النووية تعكس نجاحاً للوسائل الدبلوماسية لمنع انتشار الأسلحة النووية. وفي الوقت الذي تركز فيه الولايات المتحدة على ملف حقوق الإنسان قال وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل إن الولايات المتحدة تعمل على «توظيف النزاع الإيراني الداخلي في السياسة الخارجية لصالح الأجندة الذاتية»، أي أن الشركاء الأوروبيين يرفضون النظرة الأميركية للاتفاق، ويتم التعاطي معه كإنجاز دبلوماسي وليس «إخفاقاً استراتيجياً». وعوداً على بدء، لقد عكست الاستراتيجية الأمنية القومية للولايات المتحدة، التي نشرت في ديسمبر الماضي، نظرة الإدارة الأميركية لإيران، حيث تمت الإشارة إليها كدولة مارقة وكداعمة للإرهاب وكعامل لزعزعة الاستقرار وفي الغالب على درجة متساوية مع كوريا الشمالية، وبالتالي فالسياسة الأميركية ستمضي في سبيل فرض استراتيجيتها. فإن تعذر الانسحاب من الاتفاق النووي فواشنطن تملك أدوات للضغط على الحكومة الإيرانية من دون إشعال فتيل النزاع مع الشركاء الأوروبيين عن طريق فرض عقوبات على أفراد وكيانات استناداً إلى ملف حقوق الإنسان، أو إلى ملف برنامج إيران الصاروخي.