في كوتوبديا ببنجلاديش يجب على أي شخص لديه أدنى شك في التغير المناخي، أن يأتي إلى هذه الجزيرة المنخفضة، التي تداعب الأمواج الخفيفة شواطئها، التي يسكنها نحو 100 ألف شخص. ولكن يجب أن تأتوا سريعاً، حتى تشاهدوا الجزيرة وهي ما تزال موجودة. يقول زين العابدين، مزارع: «كان بيتي هناك»، مشيراً إلى بقعة تغمرها الأمواج، وتبعد نحو 100 قدم عن الشاطئ. ويضيف: «في المد المنخفض، لا يزال بوسعنا رؤية معالم منزلنا». لقد ابتلع البحر جزءاً كبيراً من كوتوبديا، وترك عدداً لا يحصى من العائلات، من دون أي ممتلكات. أخبرني «نور الحق»، وهو مزارع فقد كل أرضه في المحيط، أنه قد يضطر إلى سحب ابنته، «موني»، 13 عاماً، من المدرسة، حيث تدرس في الصف الثامن، وتزويجها إلى رجل أكبر سناً يبحث عن زوجة ثانية، أو ثالثة، لأنه لم يعد لديه سوى موارد مالية قليلة للإنفاق عليها. إحدى مفارقات التغير المناخي، هي أن أشد الناس فقراً وضعفاً في العالم - الذين لا يسهمون بأي شيء تقريباً في تسخين كوكب الأرض - ينتهي بهم الحال، إلى أن يكونوا أكثر المتضررين منه. ومن المتوقع أن تتعرض بنجلاديش لضرر شديد بسبب ارتفاع مستوى مياه سطح المحيط، لأن الجزء الأكبر منها، يقع على ارتفاع بضعة أمتار، فوق مستوى سطح هذه المياه. ويقول «جوستين فورسيث»، نائب المدير التنفيذي لليونيسيف: «إن تغير المناخ يدمر مستقبل الأطفال... ففي دولة مثل بنجلاديش، يتعرض عشرات الملايين من الأطفال والأسر لخطر فقدان منازلهم، وأراضيهم، وسبل معيشتهم، جراء ارتفاع منسوب مياه البحر، والفيضانات، وازدياد شدة الأعاصير». ويقول فورسيث إن الفرد البنجلاديشى العادي، ينتج فقط عشر المعدل العالمي السنوي من انبعاثات الكربون للفرد الواحد. في مقابل ذلك، أنتجت الولايات المتحدة أكثر من ربع انبعاثات الكربون التراكمية منذ عام 1850، أي أكثر من ضعفي انبعاثات أي بلد آخر. إذا تم سحب «موني» من المدرسة، وقام أبوها بتزويجها فإنها ستنضم إلى جيش من الفتيات اللائي لاقين مصيراً مشابها، وتشير إحصائيات اليونيسيف إلى أن 22 في المائة من الفتيات في بنجلاديش، يتزوجن في سن 15 عاماً، وهو من أعلى معدلات الزواج المبكر في العالم، وأن التغيرات في الأحوال الاقتصادية للأسر، الناتجة عن التغيرات المناخية تزيد من هذا المعدل، وهناك تقارير عديدة تشير إلى أن الفقر المرتبط بتغير المناخ، يؤدي إلى زواج الأطفال في سن مبكرة في دول مثل مدغشقر، وملاوي، وموزمبيق وبلدان أخرى. قبل عام، قابلت في مدغشقر أسرة مستعدة لتزويج ابنتها البالغة من العمر 10 سنوات، بسبب الجفاف المرتبط بتغير المناخ. وهناك تقارير متزايدة تفيد بأن الفقر المرتبط بتغير المناخ يؤدي إلى زواج الأطفال في عدد من دول العالم الفقيرة. وفي كوتوبديا، نجد أن تغير المناخ ليس هو المشكلة الوحيدة، فبالإضافة إلى ارتفاع مستوى مياه المحيط، فإن الجزيرة نفسها تتعرض الآن للغرق تدريجياً. ويقول المزارعون إن مياه المحيط قد ابتلعت بالفعل جزءاً من ساحل الجزيرة الذي نقص بمقدار كيلومتر واحد تقريباً منذ الستينيات. وحتى عندما تكون الأراضي جافة، فإن مياه المد المرتفعة، والعواصف العاتية، تؤدي في بعض الأحيان إلى غمر المياه المالحة لحقول الأرز وتسميمها، وقد فر الآلاف من «لاجئي المناخ» بالفعل من «كوتوبديا»، وسكنوا في حي خاص بهم في مدينة «كوكس بازار» في البر الرئيسي لبنجلاديش. وتظهر أضراراً فادحة مماثلة ناتجةً عن التغير المناخي في كثير من البلدان الفقيرة. حول هذه النقطة يقول «نيل كيني – جوير»، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «ميرسي كوربوريشنز»، العاملة في مجال تقديم المعونة: «إن تغير المناخ يساهم في نشوء الصراعات». وأشار إلى أنه يعتقد على نطاق واسع أن الجفاف الناتج عن التغير المناخي، كان سبباً في تدمير الزراعة، وفي التوترات، والهجرة التي لعبت كلها دوراً في حروب وصراعات مختلفة، مثل الحرب الأهلية السورية، والإبادة الجماعية في دارفور، والحرب الأهلية في شمال شرقي نيجيريا. ويقول «كيني – جوير» إن الدول الغربية يمكن أن تفعل ما هو أكثر من الحد من انبعاثات الكربون بكثير، وذلك من خلال بناء قدرة البلدان الفقيرة على الصمود والتحمل، عن طريق دعم المحاصيل المقاومة للجفاف، أو تطوير وسائل مقاومة المياه المالحة، وتقديم نوع من «التأمين المصغر» للمزارعين والرعاة، بحيث لا يؤدي الجفاف إلى تدمير مصادر رزقهم. إن الأدلة على تغير المناخ تزداد وضوحاً وإثارة للقلق، حيث تبين أن السنوات الأربع الأخيرة هي أكثر السنوات احتراراً التي شهدها العالم، منذ أن بدأ حفظ السجلات الحديثة في ثمانينيات القرن التاسع عشر. إن معظم القرويين الذين تحدثت إليهم في كل من بنجلاديش ومدغشقر لم يسمعوا قط عن الرئيس دونالد ترامب، لكن مستقبل أحفادهم قد يعتمد على الإجراءات التي يتخذها، ومنها انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ، الذي يعتبر تسليماً غير ذي جدوى، لمقاليد القيادة الأميركية العالمية. لقد شعر الأميركيون بالفزع مؤخراً، بسبب الفيديو الذي انتشر انتشاراً هائلاً على شبكات التواصل الاجتماعي لدب قطبي جائع، قد تكون حالته مرتبطة، أو غير مرتبطة بتغير المناخ. دعونا نأمل أن نكون مستائين بنفس القدر من تأثير التغير المناخي على أطفال مثل «موني». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»