من حق روسيا أن تشعر بأن مشاركتها في الحرب الأهلية السورية ناجحة للغاية، فقد كان استخدامها للقوة الجوية عنصراً محورياً في النجاح العسكري الذي حققته القوات المؤيدة لبشار الأسد والتي تقاتل معارضيه المسلحين. لكن القوات السورية، ومعها المليشيات اللبنانية والإيرانية، هم من تحملوا العبء الأكبر من الضحايا في أرض المعركة. وطالما أن هناك مناطق في سوريا ما زالت تحت سيطرة المعارضة، وكذلك «داعش»، فإنه يتعين على روسيا أن تستعد لوجود طويل الأمد، وإن يكن محدوداً في سوريا، وقد تجد نفسها هدفاً لهجمات إرهابية منظمة من متشددي «داعش». وتجدر الإشارة إلى أنه خلال الشهر الجاري، تعرضت قاعدة روسيا الجوية في حميميم وقاعدتها البحرية في طرسوس لهجمات متواصلة بقذائف المورتر وبالطائرات التي من دون طيار. وجاءت هذه الهجمات في أعقاب وابل من هجمات بقذائف المورتر على القاعدة الجوية، قُتل فيها جنديان روسيان. وتشير بيانات إلى أن روسيا تكبدت في عام 2017 مئات الضحايا من العسكريين والمدنيين في سوريا. وجنحت السياسة الروسية الرسمية إلى عدم التركيز على الضحايا، لأنه لا توجد أدلة على أن الحرب في سوريا لا تحظى بتأييد وسط المواطنين الروس. وبالإضافة إلى هذا فإن السياسة الروسية الرسمية تجاه سوريا والشرق الأوسط أكثر تركيزاً على تأمين المصالح الروسية وليس تبني فلسفة سياسة بناء الأمم، كتلك التي تبنتها في بداية الأمر إدارة الرئيس جورج بوش الابن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وغزو العراق عام 2003. لكن احتمالات الحضور طويل الأمد في سوريا يتعين أن تكون مما يثير قلق روسيا، لأن امتداد فترة التواجد الروسي هناك قد يؤدي مع مرور الوقت إلى عدد أعلى بكثير من الضحايا. ولدى روسيا حساسية خاصة تجاه فقدان الشباب في الحروب بسبب الحصاد المر للتدخل الروسي في أفغانستان خلال ثمانينيات القرن الماضي، وتوقعات تناقص السكان الروس. وتشير البيانات إلى أن سكان روسيا يتناقصون باستمرار في العقود القليلة الماضية. وإحصاءات الأمم المتحدة لعام 2017 تشير إلى أن عدد سكان روسيا يبلغ حالياً 143 مليون نسمة لتحتل البلاد المكانة التاسعة بين دول العالم من حيث عدد السكان. وتدرك روسيا جيداً أن سوريا ومنطقة الشرق الأوسط ما زالت مكاناً خطراً، مع الأخذ في الاعتبار علاقاتها المتعددة، وإن كانت متضاربة غالباً، مع دول المنطقة. ولا تريد روسيا أن تتورط بشكل أكبر في صراعات إقليمية بين السنة والشيعة وبين العرب والإسرائيليين. فقد أقامت تحالفاً بحكم واقع الحال مع إيران وسوريا، لكنها تحرص على الحفاظ على علاقات جيدة مع إسرائيل. وروسيا تعتبر المملكة العربية السعودية قوة صديقة تستطيع أن تقيم معها علاقات اقتصادية. ولدى روسيا أيضاً علاقة إيجابية بصفة عامة مع تركيا وهي القوة الإقليمية الكبيرة الأخرى التي لديها مطامع وصراعات تتضارب أحياناً مع خريطة الطريق الروسية في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، تنقل التطورات الأخيرة في إيران رسائل مختلفة إلى المنطقة وإلى روسيا أيضاً. فقد تمثلت الأسباب المباشرة لتلك التطورات في الارتفاع غير المتوقع في أسعار الغذاء والوقود والغضب الشديد من الفساد. وكانت الكلفة المرتفعة التي تكبدها الإيرانيون لدعم الحروب في سوريا والعراق واليمن سبباً محورياً في التململ الداخلي، هذا فضلاً عن الكلفة التي لا تتوقف للتدهور البيئي الناتج عن سوء الإدارة وتغير المناخ. وكان من بين الأسباب أيضاً ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، حيث لم يؤد الاتفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية عن إيران إلى أي تراجع في التضخم بالمستوى المأمول لدى عامة الإيرانيين. وإذا أخذنا كل تلك الأسباب والاعتبارات في الحسبان، فإن إيران قد تقلص مساعي تنفيذ سياساتها الطموحة أكثر من اللازم والمعقول والتي تتجاوز أراضيها وربما حدود إمكاناتها أيضاً. لكن أي انسحاب لقوات الحرس الثوري أو تقليص للدعم العسكري أو المالي الإيراني لـ«حزب الله»، قد يضع أعباء إضافية على روسيا لتضمن استقرار نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وتزايد التورط العسكري التركي في شمال سوريا لا يحمل أنباءَ جيدة لروسيا، ما لم تكن ترى في نشوب صراع محتمل بين تركيا والولايات المتحدة عامل فرقة يفيد المصالح الروسية. فقد عززت الحروب في سوريا والعراق الطموحات الكردية للسعي إلى الحصول على استقلال أكبر عن دمشق وطهران وبغداد. وبينما أقام أكراد العراق بالفعل منطقة حكم ذاتي في شمال البلاد، وقد كفل لهم الدستور العراقي هذه الحقوق، فإن تركيا تخشى أن يؤدي نجاح أكراد العراق إلى تحفيز شهية الأقليات الكردية الأخرى فتطالب بحريات أكبر. وقد تشترك تركيا وروسيا في الفلسفة التي تتبنيانها تجاه حركات التحرر، لكن إذا حمي وطيس القتال في سوريا ضد الأكراد فسيكون لدى روسيا أسباب تجعلها تشعر بالقلق.