في اليوم نفسه الذي ألقى فيه نائب الرئيس الأميركي خطابه في الكنيست ليعلن أن بلاده ما زالت ملتزمة حل الدولتين إذا رغب الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني، وقف الرئيس محمود عباس ليلقي خطاباً في بروكسل أمام وزراء خارجية الاتحاد الأوربي ليؤكد تمسكه بهذا الحل. كان ذلك يوم الاثنين 22 يناير 2018. إذن ما الذي يعترض هذا الحل الذي يقبله الأميركيون وتنادي به مبادرة السلام العربية، وقد أكد الاتحاد الأوربي لعباس مجدداً تمسكه به؟ سنجد إجابة السؤال في مشهد أعضاء الكنيست أثناء خطاب بينس الذي تابعته على الهواء ليس فقط لأسمع ما يقوله نائب الرئيس الأميركي بل وأيضاً لأفحص نوع الاستجابة لكلامه من جانب أعضاء الكنيست اليهود، سواء كانوا منتمين لأحزاب الحكومة اليمينية التي يرأسها نتنياهو والذين يرفضون مبدأ إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة، أو منتمين إلى أحزاب المعارضة الذين ينادون بضرورة تطبيق هذا الحل لصالح أمن إسرائيل، وحفاظاً على طابعها اليهودي الغالب. لقد تكون مشهدان بعد انسحاب أعضاء الكنيست العرب، الأول حدوث موجات عارمة من التصفيق شارك فيها كل من في القاعة، وذلك عندما أكد بينس التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، وتأييده لقرار ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وأن الرئيس الأميركي أمر بنقل السفارة خلال العام المقبل 2019، وأن قرار ترامب يفتح الطريق للسلام. أما المشهد الثاني فقد حدث عندما أعلن بينس أن الرئيس الأميركي ما زال يؤيد حل الدولتين إذا ما رغب الطرفان، حيث انخفض صوت التصفيق بشكل ملحوظ في القاعة، وكانت العدسات مسلطة على مقاعد الحكومة، ولم أشاهد عضواً واحداً من أحزابها اليمينية يصفق، ثم تحولت العدسات إلى مقاعد المعارضة التي تصاعد منها التصفيق الخافت بالطبع، قياساً إلى ما كان يحدث في المشهد الأول. لقد جاء صمت الأعضاء اليمينيين ليبلغ رسالة لإدارة ترامب بأن اليمين لا يقبل حل الدولتين، ولا يرغب فيه، وأنه يريد من الرئيس ترامب أن يقبل حل دولة إسرائيل الكبرى الذي يحلم به الجناح اليميني، وخلاصته ضم الضفة الغربية بكاملها، وإعطاء الفلسطينيين في الضفة حكماً ذاتياً داخل مناطق وجودهم المحاصرة بالمستوطنات من دون أي حقوق مواطنة في دولة إسرائيل. هنا يأتي ترقب العرب والعالم لرد فعل الإدارة الأميركية. إني أتوقع عدم استجابة إدارة ترامب وعدم موافقتها على هذه الميول التوسعية الإسرائيلية، وأتوقع استماعها إلى صوت المعارضة اليسارية الإسرائيلية التي تؤيد حل الدولتين. وأبني توقعي هذا على أساس تصريحات متعددة المصادر، منها تصريح متفائل بتحقيق المطالب العربية في إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير للتلفزيون الفرنسي، والذي قال فيه، بعد قرار ترامب حول القدس، إن الإدارة الأميركية ما زالت تعد مشروعها للسلام وتتشاور حوله مع الدول العربية وتضع أفكار العرب موضع الاعتبار. كذلك أبني توقعي على تصريح ترامب نفسه، عندما أعلن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، حيث قال إن اعترافه يترك مسألة تحديد حدود السيادة الإسرائيلية في القدس للمفاوضات النهائية، وأن اعترافه لا يمس الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف الذي تقوم الأردن بالوصاية عليه. كذلك أبني توقعي على كلمات لم تحظ بتصفيق اليمين الإسرائيلي، قالها بينس في الكنيست، ومعناها الواضح تكرار وتأكيد ما سبق وقاله ترامب عن حدود القدس وعن دور الأردن في الحرم الشريف، والذي نطق اسمه باللغة العربية متعمداً بالطبع كما سبق وفعل رئيسه.