رغم مساوئ حكم هتلر لألمانيا النازية، فإن التاريخ يذكر له حسنة في نظام التعليم، من المعروف أن ألمانيا هي الـ«مرسيدس بنز» والـ«بي.إم.دبليو» والـ«بورشيه»، وغيرها من الصناعات الثقيلة في العصر الحديث. ولكن حقيقة شهرتها ليست في ذلك، وإنما بمهارتها وحرفيتها الكروية على مستوى العالم، في هذه اللعبة التي فاقت كل الألعاب الرياضية شهرة، إن لم تكن الأشهر على مدار التاريخ الرياضي المعاصر. لم تكن هذه اللعبة الجماهيرية خياراً متاحاً أمام الشعب الألماني في عهد الرايخ، بل كانت إجباراً من السلطة الديكتاتورية، بلا هوادة ولا تلكؤ. فكان أشهر قرار أو مرسوم أصدره هتلر في زمنه هو المرسوم الذي ألزم به كل قطاعات التربية والتعليم بتدريس مادة كرة القدم كمادة إجبارية فيها السقوط والنجاح ولا يخرج الطالب إلا إذا أتمها بسلام. ومن هنا يعتبر الفرد الألماني منذ نعومة أظفاره لاعباً محترفاً وجاهزاً لمواجهة التحديات بحيث يستطيع من خلال هذه اللعبة المحبوبة تصدر سلم العالمية في الأولويات المعنية بهذه الرياضة الملهمة والملهبة للمشاعر. ففي زيارتي المقتضبة إلى ميونيخ تبصرت بأن سر التقدم الرئيس هو في مفتاح التعليم وليس في مجال الكرة الذهبية، وإنما في كل مجالات العلم الشاسعة وغير محدودة النطاق. التعليم في ألمانيا هو رافعة المجتمع بكل شرائحه ومكوناته، فهو مجاني بالكامل من العام إلى العالي، وإجباري حتى على اللاجئين الفارين من نيران الإرهاب والطائفية والعنصرية والعرقية في الدولة التي كانت تدار لعقود بالِعرْق الأزرق وبلا هوادة. فالحكومة هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن توفير كل احتياجات هذا القطاع من الألف إلى الياء، فهو مجتمع بلا أمية ولا عائد إليها، فلا عذر لأحد للعيش في بحر ظلمات الجهل المركب لأن المجتمع يلفظه ذاتياً ويُسلم كرسيه إلى الغير، فالخروج من ألمانيا خير له من البقاء فيها. ألمانيا اليوم تعتمد في قانونها الدولي على كتاب «الخراج» للإمام محمد بن حسن الشيباني، حيث خصصت له إحدى الجامعات كرسياً علمياً لتدريس هذا الكتاب للطلبة الذين ينحون صوب الدوليات، وهو ذات الإمام الذي ليس له ذكر في عالمه العربي والإسلامي، ولم تقل ألمانيا عن هذا التراث القديم بأنه عفَّى عليه الزمن وغطى عليه تراب السنين، وهو الذي يفتخر به من غير أبنائه في حين أن أبناءه الحقيقيين ينبذون هذه الثروة العلمية باسم المعاصرة والحداثة والعقلانية وغيرها من واهيات المبررات. وفي أحد مستشفياتها المشهورة نصب تذكاري مكتوب عليه قول الرسول المصطفى عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم إن «المعدة بيت الداء»، وذلك لإدراك علم الطب في ألمانيا، التي تستقبل الملايين من أنحاء العالم كافة للعلاج والنقاهة والسياحة، أن الكلام ليس هزلاً ولا حديثاً موضوعاً ولا ضعيفاً، بل هو حقيقة سماوية أنطقها الله من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. فهذا العلم، وغيره من مصادر المعرفة الأخرى، وصل إلى أعلى مراتب الإنتاج الصناعي الثقيل، فكما أطلق على اللاعب الألماني وصف «البلدوزر» لثقله في الملاعب الرياضية حول العالم، فألمانيا بين يدينا اليوم صناعة رياضية، سياسية، اقتصادية، معرفية، ثقافية، فضائية، تقنية، حربية، وفي النهاية كذلك سلمية، وهي النتيجة التي خرجت بها بعد حربين عالميتين دُفعت فيهما أوروبا بأكملها إلى محرقة النازية التي يريد 13%، أي 93 نائباً في البرلمان إعادتها إلى سابق عهدها، ولكن هيهات أن توافق الأحزاب الخمسة الأخرى التي فازت بمقاعدها في البرلمان على السماح بذلك. فألمانيا ميركل، المعجزة هي التي تقود قاطرة الاتحاد الأوروبي إلى بر السلام رغم سقوط نجمة بريطانيا من حلقتها في سجال «البريكسيت»، فمن أوقف الأزمة المالية في العام 2008 غير الألمان الذين ضخوا بمئات المليارات لصالح اقتصاد أيرلندا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان؟ ولولا حسن إدارة ألمانيا للمال لذهب الاتحاد الأوروبي أدراج الرياح، فهلا ازددنا إدراكاً للصدق الألماني عندما دحر كذب النازيين الجدد.