(الاختلاف والاتفاق) تلك هي ثنائية التعاطي الفكري بين البشر. فكل ما في الحياة يخضع لمعيار أن يتفق البشر عليه أو يختلفون عليه، وخاصة في المجال الفكري حين يكون للعقل قوته الحاكمة على لغة الحوار ما بين الناس. لذلك تبقى ثقافة احترام الآخر واحدة من أهم سلوكيات التعايش والتحضر التي تتمتع بها المجتمعات المتطورة والواعية، والتي تبني حضارة ثقافية وفكرية وإنسانية قبل أن تبني ناطحات السحاب والجسور. هي ثقافة ليست انتقائية، فالآخر هو كل ما هو خارج حدودي الذاتية مهما كانت ثقافته أو فكره ورؤيته، ذلك الآخر هو المكون التراكمي الذي عليه تُبنى الحضارات وتتفاعل الثقافات. (إذا كانت أفكاري بعيدة عنك فلا ترفضها دعني أقربها لك) حكمة لا يُطلقها إلا المثقف الواعي بأفكار الآخرين، والمدرك لقيمة العقل وقوته المبنية على رؤى متباينة تخضع لعوامل كثيرة، لذلك يختلف الإدراك من مجتمع لآخر ومن فرد لآخر، طبقاً لمجموعة الخبرات الحسية واللاحسية الواعية التي يدركها العقل، فتنشأ اختلافاته المتشعبة على خريطة الذهن الإنساني، حينها لابد وأن نؤمن بثقافة الآخر واحترامها بكل ما تحمل من تباينات في كل مناحي الحياة سواء كان هذا الاختلاف عقائدياً سياسياً اجتماعياً ثقافياً أو بيئياً إلى آخره من تلك التباينات. عندما أختلف معك فإن قناعتي بقيمة الاختلاف تدفعني أن أقبل وجهة نظرك ومناقشتها وسماعها وفق أطر معرفية واعية بأن الاختلاف هو درجة من درجات الحوار الذي يخلق فكراً جديداً، أو يطور فكراً موجوداً، فقبول الآخر بكل أنماط التفكير وتعدده واختلافه يؤدي إلى رفع الرصيد المعرفي والتطور الذي يسعى إليه المثقف الواعي بكل الفضاءات العقلية الإنسانية. وتبقى أنت البوصلة التي توجه آراءك ومعتقداتك وأفكارك من دون تعصب وانحياز إلا للفكر القائم على مبدأ الشفافية الفكرية الصادقة، وثقافة الاختلاف القائمة على احترامي لأفكارك فتقبل أفكاري، ولنصنع بيننا حواراً يعيد إنتاج تلك الأفكار المتباينة، قد ننتج معاً فكراً جديداً قوياً يجمعنا تحت مظلة معرفية واحدة، وإنْ استمر بيننا ذلك الاختلاف سأبتسم لك وأصافحك راجية لك المزيد من الإدراك والمعرفة، وأمضي في طريقي الفكري وأنت تمضي في طريقك الفكري، ونحن على يقين أننا يوماً ما قد نلتقي عند زاوية أخرى علنا حينها نتفق ونلتقي عند نقطة يقين معرفي واحدة، فمن دون الاختلاف الثقافي والفكري، تصبح تلك الأفكار ضجيجاً متشابهاً يفقد قيمته، ويؤدي لواحدية القطب الرجعية والتمركز حول رأي مفرد، يقتل التطور والبناء والتنمية الفكرية. بدأت مقالي لك يا قارئ حرفي بحكمة المثقف الذي يرى إذا كانت أفكاره بعيدة سيقربها للآخر، حتى نصبح معاً في ذات الفضاء الفكري، نختلف أو نتفق لكننا في النهاية نحيا معاً في عالم واحد، وتحت ذات السماء وفوق ذات الأرض.. أدعوك لجعل العقل الواعي بقيمة الآخر قيمة مضافة لهذا العالم لنحيا حالة سلام إنساني شامل.