جبهات الحرب المشتعلة في سوريا على نطاق واسع تكشف عن دور وأهمية الجيش العربي السوري، أو كما يُسمِّيه البعض جيش النظام في مستقبل الحرب الدائرة في المنطقة من جهة، ومستقبل الصراع العربي الإسرائيلي من جهة ثانية، ويؤكد مقولة «أن لا حرب من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا»، وإنْ كانت تلك العبارة اليوم تأتي خارج سياقها الزماني، بعد أن اشتدت الحرب الأهلية في سوريا، وتحولت هذه الأخيرة إلى ساحة حرب وتصفية حسابات بين كل القوى الدولية الكبرى، أو تلك التي تسعى لدور مستقبلي ضمن التحالفات الكبرى، وأيضاً بعد أن اختار النظام السوري أن يحافظ على بقائه خارج المنظومة العربية، فجعل الدولة السورية محتلة منه، ومن قوى خارجية متعددة. ومع ذلك كله، فمعظم الدلائل والوقائع تشير إلى أن المنطقة العربية برمتها لن تستقر، كما لن يتحقق أي سلام منتظر بين إسرائيل والعرب، ما لم تستقر سوريا، وتعود إلى دورها المحوري في العمل العربي المشترك، وقد أثبتت تجربة السنوات السبع الماضية فشل التصورات العربية التي حاولت إبعاد سوريا، أو تحل دولاً أخرى بديلاً عنها، وكانت النتيجة هي: تمركز ثلاث قوى معادية للعرب فيها، منها من جاءت لدعم النظام الحاكم، وهي إيران، وأخرى تحاول فرض نفسها باعتبارها وجوداً استراتيجياً دائماً، وهي إسرائيل، وثالثة تحاول التمدد، وهي تركيا، التي تدخل اليوم في حرب مباشرة مع الأكراد أحد المكونات الرئيسة للشعب السوري. على كل حال، سوريا اليوم وهي تتجه للخروج من أزمتها بتكلفة باهظة تمثل ساحة للحرب، الحل فيها سيكون للعمل العسكري، لأجل تحقيق مستقبل سياسي، وواضح أن الحل تحدده القوة، وقد يتم الوصول إليه في حال الحسم العسكري في الغوطة الشرقية، كما هو متوقع حسب التحضيرات الجارية الآن على الأرض، وأيضاً في حال تمكنت قوات النظام من التحالف مع «قوات سوريا الديمقراطية» لمنع التوغل التركي في عفرين، الأمر الذي يعني الرهان على القوة العسكرية لتحقيق حل سياسي، وإنْ كان من غير المتوقع أن يحصل تغيير جذري بعد الضعف والتراجع، بل والهزائم التي تعاني منها المعارضة غير الموحدة. مهما يكن، فإن المعركة الدائرة بين الجيش التركي و«قوات سوريا الديمقراطية» في «عفرين» بعد الإعلان عن مساندة وشيكة من الجيش النظامي للأكراد السوريين، مثال حيّ على أن مستقبل سوريا بيد جيشها الحكومي، تماماً كما أن كل التغييرات المنتظرة أو المحافظة على الدولة الوطنية في كل الوطن العربي هي بيد الجيوش، فإن صلحت هذه الأخيرة كان في مقدورنا الخروج من أزماتنا مهما اشتدت أو طالت، وإن فسدت الجيوش أو تراجع دورها ولو بنسبة ضئيلة كان مصير دولنا على النحو الذي نعيشه اليوم في العراق وليبيا واليمن، لكن أنّى للجيش العربي السوري أن يحارب على عدّة جبهات في وقت واحد؟ إذا نظرنا إلى الأمر من الناحية العملية، فقد حارب الجيش السوري على عدة جبهات في وقت واحد خلال السنوات السبع الماضية، ولذلك تشتتت جهوده، ولم يستطع تحقيق نصر مؤزر، وعاش معارك كر وفر، كلفته بشرياً ومادياً، والأخطر من ذلك حولته من جيش دولة إلى جيش تتحكم فيها دول خارجية، روسيا وإيران من جهة، ويعتمد ميدانياً على مليشيات مساندة كرَّست العداء الطائفي والمذهبي على حساب الجامع الوطني، منها الكتائب المقاتلة القادمة من العراق، ومن بعض الدول الإسلامية في آسيا، وأيضاً من لبنان ممثلة في «حزب الله»، ومن هنا تأتي المخاوف عليه في عفرين، رغم أن ما سيقوم به هو لصالح الوحدة الترابية، لكنه يخدم المشروع الأميركي أيضاً.