دخلت التحقيقات المتعددة بشأن تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016 مرحلة جديدة في يوم 16 فبراير، حين أعلن رود روزنشتاين نائب وزير العدل الأميركي عن توجيه اتهامات ضد 13 مواطنا روسياً وثلاث هيئات روسية بالتورط في مساع ممنهجة لاستغلال مواقع التواصل الاجتماعي والقصص الإخبارية لصالح دونالد ترامب قبل إجراء الانتخابات الرئاسية. وبينما توخى روزنشتاين الحذر في ألا يشير إلى أي مزاعم عن تواطؤ بين الروس المذكورين وحملة ترامب، فإنه ترك الباب مفتوحا أمام الأسئلة حول توجيه اتهامات أخرى تتضمن جرائم رقمية روسية وتواطؤاً محتملا. وبالنسبة لمعظم الأميركيين، دعمت الاتهامات الجديدة الأدلة المتزايدة على التدخل النشط للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الانتخابات الأميركية. وجاء هذا في الأسبوع ذاته الذي شهد فيه مسؤولون من الاستخبارات الأميركية أمام الكونجرس يوم 14 فبراير الجاري، في جلسة استماع مفتوحة تضمنت رسالة موحدة قدمها دان كوتس مدير الاستخبارات القومية قال فيها: «يجب ألا يكون هناك شك في أن روسيا ترى أن مساعيها السابقة تمثل نجاحا». وأجمع كوتس وزملاؤه من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ومكتب التحقيقات الاتحادي (إف. بي. آي) ووكالة الأمن القومي، على أنه من المحتمل أن تتعرض الولايات المتحدة لمزيد من التدخل الروسي في الانتخابات مستقبلا. وفي 17 فبراير الجاري أيضاً، وخلال مؤتمر ميونيخ الأمني، أعلن «إتش. آر. مكماستر»، مستشار الأمن القومي للرئيس ترامب، صراحةً، أمام جمهور دولي، أن التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية لا يخالطه شك. وقال مكماستر: «بوسعكم أن تروا من اتهامات إف. بي. آي أن الأدلة الآن لا جدال فيها حقا ومتوافرة في المجال العام». ورغم أن كل كبار مستشاري الأمن والاستخبارات للرئيس الأميركي وغالبية أعضاء الكونجرس مقتنعون بشأن وقوع الأنشطة الروسية، فإن ترامب مازال مصراً على رفضه تحميل بوتين مسؤولية السلوكيات الروسية. ويعترف ترامب حالياً، بعد مرور شهور في المنصب، قائلا: «إنني لم أقل قط إن روسيا لم تتدخل في الانتخابات. بل قلت ربما تكون روسيا أو الصين أو دولة أخرى» هي التي تدخلت في الانتخابات الأميركية. والأسباب وراء غموض ترامب بشأن روسيا ودور بوتين مازال لغزا ومصدرا لإذكاء نظريات المؤامرة التي تطرح أسئلة عن سبب معاملته بوتين برفق شديد في تناقض واضح مع انتقاداته اللاذعة لزعماء دوليين آخرين من بينهم زعماء دول حليفة مقربة للولايات المتحدة. والنظرية الأكثر انتشارا هي أن ترامب والنشاط الاقتصادي لأسرته مدينان نوعا ما لبوتين بسبب ما حصل عليه من مساعدات مالية قبل أن يصبح رئيسا حين كانت صفقاته الاقتصادية المتعددة تمر بمشكلات وكان ترامب يجد صعوبة في اقتراض المال من البنوك الغربية. ولذلك ثمة اهتمام كبير بالتحقيقات التي يجريها المحقق الخاص روبرت مولر، تحت إشراف وزارة العدل، حول مزاعم التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة وفرضية التواطؤ المحتمل لحملة ترامب مع روسيا. وهناك اهتمام كبير أيضا بالاتهامات التي وجهها مولر ضد بول مانافورت، المدير السابق لحملة ترامب الانتخابية ومساعده ريك جيتس. ويواجه مانافورت وجيتس اتهامات جنائية تشمل التآمر على غسل أموال وعدم تسجيل اسميهما كوكيلين أجنبيين فيما يتعلق بأعمال سياسية لصالح حزب أوكراني موال لروسيا. ولكليهما علاقات قديمة بسياسيين روس وأوكرانيين مقربين من بوتين قبل ثورة أوكرانيا عام 2014 التي شهدت الإطاحة بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش صديق مانافورت المقرب. واتهم مولر أيضا محاميا بالكذب على المحققين بشأن اتصالاته مع جيتس. ووجه اتهامات جنائية للمحامي أليكس فان دير زوان، قائلا إنه كذب على «إف. بي. آي» في نوفمبر الماضي بشأن أعمال نفذتها شركة محاماته في عام 2012 تتعلق بأوكرانيا. كما أدى تحقيق مولر أيضاً إلى إقرار اثنين من مساعدي ترامب، هما مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين والعضو في حملته الانتخابية جورج بابادوبلوس، بالكذب على ضباط «إف. بي. آي» في التحقيقات. وتثير تعاملات ترامب المالية مع أشخاص من شرق أوروبا ومع أفراد من الطبقة الثرية الروسية صاحبة النفوذ السياسي، الريبة أيضا حول رفضه نشر إقراراته الضريبية على الدخل، رغم أن كل الرؤساء في الآونة الأخيرة نشروا إقراراتهم الضريبية. ويواجه ترامب ثلاثة تحديات في تحقيق مولر: أولا: احتمال أن حملته تواطأت مع روسيا للعمل ضد هيلاري في انتخابات 2016. ثانيا: احتمالية أن تكون تعاملاته المالية مع روسيا غير مطابقة للقوانين الأميركية. وثالثا: احتمال أن يكون ترامب نفسه قد عرقل العدالة حين أصبح رئيسا بإقالته مدير «إف. بي. آي» السابق جيمس كومي. ومن المحتمل أن يتفادى ترامب كل الاتهامات حين تنتهي كل التحقيقات. لكن في الوقت نفسه، ستظل التحقيقات تستهلك ترامب دون أن يتوافر لديه ما يكفي من الوقت ليخصصه للمشكلات الحقيقية التي تواجهها البلاد، بما في ذلك تهالك البنية التحتية وانتشار العنف باستخدام الأسلحة الفردية في المدارس الأميركية، والأزمات التي لا تنتهي في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وشبه جزيرة كوريا.