قبل فترة قصيرة مضت، تجاهل معظم الناس أقصى حدود التطرف من اليمين المتطرف، مطمئنين إلى أن أولئك المتطرفين مهمشون ومآلهم إلى الانقراض الحتمي. ومع انتخاب الرئيس ترامب، وخشية شغل قوميين بيض لمناصب في البيت الأبيض، تأرجحت الآراء في الاتجاه المعاكس. وفي عام 2017، أعرب المراقبون عن قلق عميق من أن اليمين المتطرف، في نسخته الأحدث من القوميين البيض الأميركيين، هو تهديد وجودي للديمقراطية والتخلص، ويبدو أن وجهتي النظر خاطئتين. ومع أن اليمين العنصري لم يختف أبداً وظل معنا دائماً، فإن المتطرفين الذين سلطت عناوين الصحف الضوء عليهم العام الماضي في أحداث مثل «تشارلوتسفيل» و«بيكفيل»، لا يوشكون بحال من الأحول على تحقيق تقدم، حتى وإن قدم اليمين المتطرف المتجدد نفسه كحركة متحدة، متأهبة لاعتلاء المسرح السياسي. وأولئك الذين لا يدركون طريقة عمله أخفقوا في ملاحظة أنه لا يزال منقسماً ومتشرذماً ومفلساً، غير أنه لا يزال خطيراً. وفي كتابه الجديد «كل شيء محبوب سيحترق»، يسلط المؤلف «فيجاس تنولد» الضوء على ذلك العنصر الصغير، وإن كان مزعجاً، في المشهد السياسي الأميركي. وعلى مدار ست سنوات، تقصى «تنولد» عن أكثر المنظمات اليمينية تطرفاً في أميركا، وتعرف إلى أبرز قيادات الحركة على المستوى الشخصي، وتعرض في كثير من الأحيان إلى مخاطر محدقة. ويقدم في كتابه رواية عن كثب لعمل تلك المنظمات اليمينية المتطرفة، على نحو يساعد القراء في فهم دوافعها واستراتيجياتها. ويصف في الكتاب تجاربه مع «الحركة الوطنية الاشتراكية» و«كو كولكس كلان» و«هامر سكين». وكان المؤلف حاضراً عند مواجهة النازيين الجدد مع نشطاء حركة «أنتيفا» بالكراسي والأسلحة الأخرى المتاحة في عام «معركة ترينتون» عام 2010، وتلقى حجراً في وجهه في حشد «وحدوا اليمين» في تشارلوتسفيل. وفي مرحلة ما، صوّب عضو مخمور من حركة «كيه كيه كيه» مسدساً إلى رأسه. والفائدة الرئيسة من كتاب «تنولد» هي أن تلك الحركات، وإن كانت تشكل تهديداً للأفراد على نطاق محدود، إلا أنها لن تسيطر أبداً على السلطة السياسية. وحتى حركة «كيه كيه كيه»، التي كانت تتفاخر في السابق بأنها «إمبراطورية خفية»، لم تعد الآن سوى أضحوكة حتى بين القوميين البيض أنفسهم. وانكشاف حقيقة أن كثيراً من قادتها كانوا مخبرين فيدراليين لم تعزز أهدافها. والشخصية الأبرز في الكتاب هو «ماثيو هيمباك»، الزعيم الشاب لحزب «العمال التقليديين» المتطرف، وهو اختيار يمكن تفهمه، إذ أنه شخصية مهمة في حركته، وقد منح «هيمباك» المؤلف وصولاً استثنائياً إلى اجتماعاته على مدار سنوات. ومع أن «تنولد» أكد مراراً وتكراراً استياءه من رؤية «هيمباك» للعالم، فإنه يقدم صورة شديدة التعاطف مع الرجل الذي وصفه بأنه «الفوهرر الصغير». ولعل هذه واحدة من سقطات الكتاب. وفي أنحاء الكتاب، ندرك أن «هيمباك» يحلم بربط تلك الجماعات المتشرذمة في كيان واحد مثل منظمة متماسكة. لكن في نهايته، ندرك أنه قد نجح بصورة ما، وأن جبهة القوميين قد حشدت بالفعل مختلف أعضاء حزب العمال القوميين والنازيين الجدد والكونفدراليين الجدد في فاعليات عامة. غير أن «تنولد» لا يكاد يكشف عن أية دلالة بشأن ما يخطط له «هيمباك»، على نحو يؤكد أنه ليس ثمة خطة كبرى، وحتى إذا ما نجح في جمع تلك الحركات، فإنه سيكون زعيماً لمجرد ائتلاف كغثاء السيل، بلا قوة أو قيمة. و«كل شيء محبوب سيحترق» كتاب مثير للاهتمام والإزعاج في آن واحد، فـ«تنولد» يروي قصة مهمة جداً، وبدقة بالغة، لكنه يشير أيضاً إلى أن الحركات والأفراد في كتابه يمثلون فئة صغيرة جداً من أميركا المعاصرة، غير أنه لا ينبغي أن نتجاهل خطر اليمين المتطرف. ويسلط الكتاب الضوء على أنشطتهم، غير أن المؤلف يرى أنه ينبغي علينا ألا نركّز كثيراً على فاعلياتهم، معتبراً أن ذلك قد يشتت الانتباه عن قضايا جوهرية مثل انعدام المساواة أو الاستقطاب العنصري. ويلفت إلى أن السجون الخاصة والعقوبات الجبرية والقوة المفرطة من قبل الشرطة تشكل تهديدات على المجتمعات أكبر من منظمات مثل «كيه كيه كيه»، وهو محق في ذلك بالتأكيد. وائل بدران الكتاب: «كل شيء محبوب سيحترق» المؤلف: فيجاس تنولد الناشر: نيشن بوكس تاريخ النشر: 2018