كيف ظهرت الجهادية المعاصرة؟ وكيف تطور ابناها الطبيعيان، تنظيما «القاعدة» و«داعش»؟ ومن كان أسامة بن لادن حقاً؟ ومن كان داعموه؟ وما هي الحكومات التي تورطت في تطوير الجهادية المعاصرة وتمويلها؟ وهل تعني هزيمة «داعش» المعلنة وتراجع «القاعدة»، نهاية إرهاب الحركات المتطرفة في العالم؟ هذه بعض الأسئلة التي يجيب عنها كتاب «قصة الجهاد السرية من القاعدة إلى داعش» لمؤلفه الصحفي الموريتاني المقيم في فرنسا لمين ولد سالم، والذي صدر الشهر الماضي ويستند إلى مذكرات «أبو حفص»، وهو مواطن موريتاني يقال إنه كان الرجل الثالث في التنظيم وصديقاً لابن لادن، وقد انكب المؤلف على دراسة مذكراته، كما أجرى معه مقابلات استمرت لعدة أشهر استطاع خلالها أن يسلط الضوء على جوانب معتمة من سيرة «أبو حفص الموريتاني»، والحصول منه على معلومات مهمة أحياناً. وفي مقدمة كتابه، يقول المؤلف عن «أبو حفص» إن اسمه الحقيقي محفوظ ولد الوالد، وقد كان صديقاً شخصياً لابن لادن، ومستشاره وكاتبه الخاص، كما كان مفتي «القاعدة». وبهذه الصفة، كان الرجل الثالث في التنظيم. ولذلك فإنه يصدق على «أبو حفص» المصطلح «سمكة كبيرة»، لاسيما أن اسمه كان مدرجاً على قائمة الإرهابيين المطلوبين من قبل الولايات المتحدة، قبل أن يلجأ عقب هجمات 11 سبتمبر إلى إيران التي كان فيها وصياً على عائلة ابن لادن. وفي الأخير، حصل الصحفي على موافقة الجهادي السابق على التحدث معه على تطبيق مؤمَّن على الهاتف، خلال صيف 2016. ويقول في هذا الصدد: «للمرة الأولى، استطعتُ التحدث مع شاهد من الداخل». ثم قابله في نواكشوط حيث يقيم تحت حراسة من قبل السلطات الموريتانية، ومن مقابلاته معه استخلص مادة كتابه. من بدايات الجهادي الموريتاني في 1991 في معسكر الفاروق، بالقرب من قندهار، حيث تميز هذا الموريتاني بسعة تفقهه في العلوم الشرعية، نمر إلى المركز الذي كانت تمثله العاصمة السودانية الخرطوم كقبلة لجهاديي العالم بأسره في بداية التسعينيات. فهناك التقى «أبو حفص» بابن لادن للمرة الأولى في عام 1992 وتقاسم معه الحياة اليومية على مدى سنتين. وهناك اكتشف معلومات وتفاصيل كثيرة حول شخصية زعيم «القاعدة» وطريقة اشتغاله في وقت لم يكن قد أصبح بعد الرجل الأول المطلوب في العالم. ومن محاولة الاغتيال الفاشلة لابن لادن في الخرطوم عام 1994 إلى الهجمات الأولى لـ«القاعدة» في شرق أفريقيا (نيروبي ودار السلام في 1998)، مثّل كتاب ولد سالم، الذي يجمع بين شهادات «أبو حفص» وأسئلة الكاتب وأبحاثه، رواية مغامرات حقيقية. ويبدو مسار «أبو حفص» مثيراً للاهتمام أكثر بالنظر إلى أنه كان من القلائل داخل «القاعدة» الذين اعترضوا على هجمات 11 سبتمبر، بسب عواقبها الوخيمة جداً، والتي كان بالإمكان استشرافها بالنسبة للعالمين العربي والإسلامي. وبعد استقالته من مهامه في «القاعدة»، لجأ إلى إيران رفقة أسر وزعماء جهاديين آخرين، من بينهم مؤسس تنظيم «داعش». وفي خاتمة الكتاب، يبسط الصحفي الدروس الأساسية لعمله الاستقصائي الطويل، الذي لم ينل رضاه كلياً، كون محاوره لم يكشف النقاب عن بعض التفاصيل ولم يعط كل المفاتيح. غير أن الدرس الأول هو أنه في الحرب التي تخوضها «القاعدة»، ومثلما هو الحال في كل الحروب الأخرى، فإن المال هو «عصب الحرب». إنه العنصر الأساسي الذي سمح بظهور الجهادية المعاصرة وتطورها، انطلاقاً من الغزو السوفييتي لأفغانستان عام 1980. ومن دون المساعدات المالية الكبيرة التي قدمتها الولايات المتحدة وجهات أخرى، ما كان الجهاد الأفغاني الذي هيمنت عليه وقتئذ التنظيمات الإسلامية، ليحقق أي نجاح أمام القوات الشيوعية. أما الدرس الثاني، فهو أن المرور من «خانة» تنظيم «الإخوان المسلمين» كان حاسماً، إذ وسم هذا الجيلَ والأجيال التي بعده وسماً لا يمكن محوه. وتفسير ذلك تاريخي وجيوسياسي في آن معاً، ذلك أن أتباع «القاعدة» وغيرها من التنظيمات المتطرفة وُلدوا قبيل أو غداة النكسة العربية (1967). وهي فترة مثلت بداية التراجع التدريجي للأيديولوجيات العلمانية والحداثية في العالم العربي، ودشنت صعود تيارات سياسية توظف الدين وتعتبره السبيل لحل المشاكل كافة. وفي ختام كتابه، يتساءل المؤلف: هل تساهلت أو تغاضت بعض البلدان إزاء «القاعدة»، مثل السودان وإيران وأفغانستان وباكستان؟ كما يتساءل حول التراخي النسبي لموريتانيا في عهد الرئيس ولد الطايع (1984 -2005) إزاء السلفية، ويجد تفسير ذلك في جوارها مع الجزائر، إذ يقول: «أعتقدُ أنه بسبب خوفها من الدخول في نزاع مفتوح مع الإسلاميين المحليين، إذ «اختارت الحكومة الموريتانية التعامل بحذر مع الإسلاميين الموجودين على ترابها». محمد وقيف الكتاب: قصة الجهاد السرية: من القاعدة إلى داعش المؤلف: لمين ولد سالم الناشر: فلاماريون تاريخ النشر: 2018