كان الأسبوع الماضي مضطرباً، فقد واجهنا بالحزن والأسى والتفجع والأسف مآسي، مثل حادث إطلاق النار بإحدى مدارس فلوريدا، وهو ما تحول إلى حالة غضب واستياء، وحتماً تم توجيه ذلك الغضب إلى «الاتحاد القومي للأسلحة»، لاسيما أنهم هم من يدعمون حقوق حمل الأسلحة، والسياسيين الذين يرفضون فعل أي شيء بينما يموت الأطفال! وكثيرون منا ساروا على طريق الانفعال والعاطفة، لكن ربما انتهى بنا المآل إلى فعل ما، ضرّه أكثر من نفعه، وإذا كان من شيء تعلمناه، فهو أن الأسلحة أصبحت ومضة ثقافية في دولة منقسمة وغير متكافئة، فالناس الذين يدافعون عن حقوق الأسلحة يتصورون أن النخب المغرورة تستهين بأخلاقهم وترغب في تدمير ثقافتهم، وإذا انتهى بنا المآل نخبر أولئك الناس أنهم وأسلحتهم جديرون بالازدراء، فإنهم سيزدروننا في المقابل ولن يزدادوا إلا عناداً. ولذا، فإذا كنّا نرغب في وقف جرائم إطلاق النار في المدارس، فلن يكفي مجرد التعبير عن غضبنا والخروج في مسيرة، وإنما من الضروري أن ندع أشخاصاً من الجمهوريين يتولون القيادة، وأن نظهر الاحترام لأصحاب الأسلحة، في المراحل كافة. ولابد أن تكون هناك ثقة واحترام في البداية. وبعدئذ يمكننا التوصل إلى حل وسط بشأن الأسلحة كأسلحة، وليس بشأن رمز مقدس في حرب ثقافية. وقد جعلني ذلك أفكر في مجموعة لها باع في الثقة والاحترام، وهي منظمة «بيتر أنجيلز» غير الهادفة للربح، والتي يقودها «ديفيد لاب» و«ديفيد بلانكنهورن» والمنظّر الأسري البارز «بيل دوهرتي»، وأعضاء المنظمة الذين يسافرون من مدينة إلى أخرى ليجدوا أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي ويقربون بينهم عبر محادثات هادئة وطويلة. وقد شاركت زميلتي في «نيويورك تايمز»، «أبريل لاوسن» مع «بيتر أنجيلز» وكتبا بعض التقارير عن أساليبها. ومن أنجح أجزاء المحادثات المنظمة تلك التي تعتمد على الصور النمطية، إذ يطلب «دوهرتي»، والذي يدير جلسات النقاش، من الناس في كل اجتماع تحديد خمس صور نمطية أساسية ينعتهم بها الطرف الآخر. وتشمل قائمة الجمهوريين مجموعة متنوعة تبدأ بـ«عنصريين» ثم «غير مبالين» و«جهلاء» و«أعداء المرأة» و«منكري العلم». وفي إحدى الجلسات التي حضرتها «لاوسن»، أقرّ أحد أنصار ترامب بأن الحزب الجمهوري لديه سجل متباين بشأن الأمور العنصرية، لكن من المهم له أن يعرف الديمقراطيون أنه لا علاقة لذلك بآرائه الشخصية. ويقول «دوهرتي»: «إن الجمهوريين يشعرون بأن الديمقراطيين يعيّرونهم، بدرجة أكبر بكثير مما يتصور الديمقراطيون، ومن ثم يتردد الجمهوريون في خوض أي محادثة مع الديمقراطيين، خشية التعرّض لمزيد من التعيير، لكنهم يخوضون في كثير من الأحيان إذا ما أخبروا أنها ستكون فرصة لتبرئة أنفسهم». وفي تلك الجلسة، قالت إحدى أنصار الحزب الديمقراطي، إنها ممتنة لسماع أحد الجمهوريين يقر بالتاريخ الجمهوري بشأن العنصرية. وعندما طلب من الديمقراطيين طرح الصور النمطية التي يُنعتون بها، تحدثوا عن وصفهم بأنهم «ضد الدين والأخلاق» و«غير وطنيين» و«ضد المسؤولية الشخصية». وانتهزوا هم أيضاً الفرصة لإزالة سوء الفهم. وبعد مناقشة الصور النمطية، بدت القاعة مختلفة، فأحد الجمهوريين أخبر «لاوسن» قائلاً: «أتصور أننا الآن جميعاً نفهم أنه لا ينبغي أن يصدر أحد الأحكام بحق الآخرين وما يعتقدونه»، واغرورقت عينا فتاة من الحزب الجمهوري بالدموع عندما أدركت الانقسامات التي تسببها مثل تلك التصنيفات. وبحلول نهاية المحادثات، تغيرت الأجواء، وقد يدرك المرء أن المناقشة لم تكن سهلة لولا وجود معتدلين في القاعة، وليس مجرد أشخاص يتبادلون الاتهامات الجزافية عبر «فيسبوك». ويحاول فريق «بيتر أنجيلز» ألا يبتسم، إذ يأخذ في الحسبان أن بعض الناس تم اختيارهم على وجه التحديد بسبب الأمور الحادة التي نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي. والحقيقة أنه لم تعد هناك في أميركا مناقشات سياسية، وإنما صراعات قبلية كبرى، وليست الخلافات بشأن السياسات سوى معارك بالوكالة، بينما يحاول كل طرف ترسيخ تفوقه الأخلاقي. ومثلما ظهرت تلك الانقسامات، يمكن التخلص منها، وعندئذ فقط يمكننا العودة إلى السياسة، واتخاذ الإجراءات المنطقية للحفاظ على سلامة أطفالنا. ---------------------------- *محلل سياسي أميركي -------------------------- يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»