أصبحت الحرب الفوضوية في سوريا أكثر فوضى. ففي يوم الثلاثاء الماضي، تحركت الميليشيات الموالية للنظام إلى «جيب عفرين» المحاصر من القوات التركية التي غزت سوريا الشهر الماضي. ويبدو أن وحداث النظام تعزز الفصائل الكردية السورية التي تسيطر على المنطقة الواقعة بالقرب من الحدود التركية، ما يسبب إحباطا لأنقرة. وكما كتبت في الأيام الأولى من التوغل التركي، فإن المعارك الدائرة في عفرين تخاطر بقيام حرب أوسع نطاقاً. وترى تركيا أن المجموعة السورية الكردية الرئيسية المسلحة، والمعروفة باسم «وحدات حماية الشعب»، كوكيل مباشر لحزب «العمال الكردستاني» (بي. كي. كي) المحظور، والذي يعمل داخل تركيا وتعتبره أنقرة وواشنطن منظمة إرهابية، بيد أن الولايات المتحدة تدعم «وحدات حماية الشعب»، وتعتمد على مقاتليها للمساعدة في محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي. وقد أجبر دور واشنطن المعقد في الحرب – وكذلك قرارها بتجنب الانخراط بعنف في الاشتباكات الدائرة في عفرين -الميليشيات الكردية السورية على التوجه إلى الرئيس بشار الأسد من أجل المساعدة. وقال الناطق باسم وحدة حماية الشعب «نوري محمود»: «لقد استجابت الحكومة السورية لنداء الواجب وأرسلت وحدات يوم الثلاثاء الماضي، وستتمركز على طول حدود الأراضي السورية». وفي الوقت نفسه، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن تركيا ستبدأ هجوماً عنيفاً على وسط مدينة «عفرين» في الأيام القادمة. ووصف تحرك الحكومة السورية بأنه عمل «إرهابيين» وزعم أن المدفعية التركية قد دفعت القوات الموالية للأسد للعودة. وتزعم مصادر سورية أن وابل الرصاص ربما لن يمنع القوات المؤيدة للأسد من التقدم سوى لفترة وجيزة. ويعد وصول القافلة تحولاً جيوسياسياً آخر في الحرب التي تزداد تعقيداً أكثر من أي وقت مضى. ومن المرجح أن تكون الميليشيات الموالية للأسد، والتي كان من المفترض أنها جاءت لنجدة الأكراد السوريين لها مجموعة أخرى من الولاءات: «والمقاتلون الذين وصلوا، يبدو أنهم من شبكة من الوحدات المدعومة من إيران، والتي كانت في كثير من الأحيان تعزز جهود جيش الأسد»، بحسب ما ذكرت زميلتي «لويزا لوفيلاك». وإذا كان هذا هو الحال، فإننا نرى تركيا وحلفاءها المتمردين، وهي ربما تستعد للقتال ضد الميليشيات الموالية للأسد والمرتبطة بإيران، وتعمل جنباً إلى جنب مع الوحدات الكردية السورية التي لديها علاقات ودية مع الولايات المتحدة -والتي تعارض كلا من حكومة الأسد ووجود إيران في سوريا. إنه نوع من التشابك المحير الذي يميز الصراع المدمر الذي دام سبع سنوات، وهذه المجموعة من الأطراف المتحاربة ومصالحها المتشابكة. من وجهة النظر الإيرانية، لم تكن العملية التركية في «عفرين» مرحب بها. فقد ندد القادة الإيرانيون، بمن فيهم الرئيس حسن روحاني، بالغزو، الذي أفسد المحادثات الأخيرة بين روسيا وتركيا وإيران بشأن المستقبل السياسي لسوريا. كما أن مسؤولين إيرانيين قد ضغطوا على نظرائهم الأتراك لتجنب اندلاع حرب استنزاف فوضوية في سوريا. وكتب «جونول تول»، زميل بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن «كانت تركيا يحدوها الأمل في أن تدخل عفرين وأن يتجاهل شركاؤها الأمر. واعتقدت أنقرة أنها حققت ما تريد عندما أعطت روسيا، التي تسيطر على سماء«عفرين»، أخيرا الضوء الأخضر لغزو الجيش التركي للجيب الكردي». واستطرد «ولكن التطورات الأخيرة على الأرض تشير إلى أن الطريق لن يكون ممهداً والشراكة مع روسيا وإيران ربما لا تكون بالقوة التي كانت أنقرة تأملها». وخارج «عفرين»، أصبحت الساحة أقل ازدحاما. فالجماعات الإسلامية المتمردة في محافظة إدلب المجاورة تقاتل بعضها البعض وفي الوقت نفسه تتشارك مع القوات التركية ضد النظام السوري وحلفاؤه. كما أدت الحرب الجوية الأميركية في سوريا، والموجهة أساسا لتنظيم داعش، إلى مقتل المرتزقة الروس. وتواصل حكومة الأسد، بدعم روسي، قصف المناطق التي يسيطر علها المتمردون بلا رحمة. وقامت إسرائيل، التي تشعر بالقلق إزاء الوجود الإيراني المتجذر في سوريا، مؤخرا بشن ضربات جوية على المواقع الإيرانية المشتبه فيها. ويتحدث المسؤولون الإسرائيليون علنا عن احتمال الدخول في حرب إقليمية أكثر كثافة. والحقيقة المرة بالنسبة لأنقرة هي أن تركيا لديها خيارات قليلة. وقد أدى تصاعد المشاعر المعادية لأميركا في تركيا، جنبا إلى جنب مع الدعم الأميركي لوحدات «حماية الشعب» الكردية، إلى وضع الولايات المتحدة إلى حد ما في خلاف مع حليفتها في «الناتو». وكتب «نيكولاس دانفورث»، خبير الشؤون التركية بمركز «سياسة الحزبين في الولايات المتحدة»: «إنه لا يبدو أن روسيا ولا إيران -وكلاهما يتودد لهما السياسيون الأتراك أحيانا باعتبارهما بدلاء محتملين للولايات المتحدة – حريصتان بشدة على الاستجابة للمصالح التركية». وفي الواقع، هناك اتجاه متزايد في واشنطن للتوقف عن تحقيق أجندة أنقرة. إيشان ثارور* *كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»