لم يكن الأسبوع الماضي أسبوعاً عظيماً في سجلات دبلوماسية أميركا الشمالية. ففي يوم الثلاثاء، أجرى الرئيس دونالد ترامب ونظيره المكسيكي «إنريكي بينا نييتو» مكالمة هاتفية مشحونة، دارت حتماً حول تعهد حملة ترامب بإجبار المكسيك على دفع تكاليف جدار حدودي بين البلدين، وهو مطلب اعتبره كثير من المكسيكيين مهيناً للغاية. وكان الرئيس «نييتو» يتطلع، قبل رحلته المقررة إلى البيت الأبيض، للحصول على ضمانات بألا يستخدم ترامب هذه المناسبة للفت الانتباه إلى بناء الجدار. وقد قيل إن ترامب لا يرغب في تقديم أي ضمانات من هذا القبيل لنظيره المكسيكي. وذكرت صحيفة «واشنطن بوست»، نقلاً عن مصادر دبلوماسية مكسيكية، أن «الرئيسين ترامب ونييتو خصصا جزءاً كبيراً من الاتصال الهاتفي الذي استمر قرابة خمسين دقيقة لمناقشة قضية الجدار، ولم يستطيعا تسوية الموقف». وأضافت الصحيفة أن «أحد المسؤولين المكسيكيين قال إن ترامب فقد أعصابه، بيد أن مسؤولين أميركيين وصفوه بدلاً من ذلك بأنه محبط وغاضب، قائلين إنه يرى من غير المعقول بالنسبة لنييتو أن يتوقع منه تراجعاً عن الوعد الذي قطعه أثناء حملته الانتخابية فيما يتعلق بإجبار المكسيك على دفع تكاليف الجدار». وفي أعقاب المناقشة تم تأجيل زيارة «نييتو». وفي وقت لاحق من ذلك الأسبوع، أدخل ترامب البهجة على مؤتمر يميني خارج واشنطن، بتأكيده بناء الجدار وقمع الهجرة. وعلى الجانب الآخر من العالم، كان رئيس الوزراء الكندي «جوستين ترودو» يواجه مجموعة مختلفة من التحديات. فأثناء رحلة استمرت ثمانية أيام إلى الهند، انهار السحر المعتاد لترودو ليصبح مضحكاً في بعض الأحيان. فقد سخر الهنود على مواقع التواصل الاجتماعي من إصرار عائلة ترودو على ارتداء الزي التقليدي الهندي. وفي الوقت نفسه، عهد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى عدد من صغار المسؤولين بالتعامل مع ترودو قبل أن يلتقيه أخيراً يوم الجمعة. بيد أنه كان هناك توتر حقيقي يحيط بالرحلة، حيث يرتبط ترودو وحزبه الليبرالي بعلاقة محرجة مع عناصر من شتات السيخ كانت تدعم حركة «خاليستان» (المطالبة بإقامة دولة منفصلة للسيخ داخل البنجاب)، وهو مطلب انفصالي سيخي أثار العنف والهجمات الإرهابية في الثمانينيات. ولا تزال المشاعر الموالية لحركة «خاليستان» حية بين البعض في المجتمع السيخي بكندا، ما يثير استياء العديد من الهنود. وقد أثار ظهور «جاسبال اتوال»، وهو متطرف سيخي كندي أدين في محاولة اغتيال مسؤول هندي في عام 1986، في حفل الاستقبال الذي أقيم في مومباي على شرف ترودو، عاصفة غضب إعلامية كافح مسؤولون كنديون لإخمادها. وقد طغت مثل هذه الأخطاء على الرسالة الإيجابية، أيا كانت، التي كان رئيس وزراء كندا يعتزم نقلها إلى أكبر ديمقراطية في العالم. «بالنسبة لغير المتحمسين لترودو، هذا من شأنه أن يؤكد مجدداً انطباعهم بأن صورة نجم الروك تخفي ضعف شخصيته»، بحسب ما ذكر «فيفيك ديهيجيا»، أستاذ بجامعة كارليتون في أوتاوا، لصحيفة «واشنطن بوست». ويتعين على قادة أميركا الشمالية الثلاثة بذل بعض الجهد اللازم لإصلاح سمعتهم وأجنداتهم المتعثرة. يقول «درو براون»، وهو نائب كندي، «في ضوء مدى سوء هذا الأمر برمته، ربما يكون الوقت مناسباً الآن للنظر فيما إذا كان ترودو قد حلّق قريباً جداً من الشمس بأجنحة شهرته. حتى الكلام المعسول يصبح قديماً إذا كان هذا هو كل ما لديك». وفي الوقت نفسه، فإن ترامب يتشبث أكثر بالعرض الذي أتي به إلى السلطة، حتى وإن كان هذا يجعل التواصل الدبلوماسي مع المكسيك أكثر صعوبة. فبعد أن أمضى أكثر من عام في الرئاسة، لم يستقبل ترامب نظيره المكسيكي في البيت الأبيض، ولا قام هو بزيارة لجارته الجنوبية. يقول «أرتورو ساروخان»، السفير المكسيكي السابق لدى الولايات المتحدة: «المشكلة هي أن الرئيس ترامب قد وضع نفسه والرئيس نييتو والعلاقات الثنائية في موقف صعب. حتى منذ البداية فإن فكرة أن تدفع المكسيك تكاليف بناء الجدار لم تكن لتنجح. ولم تكن علاقته بالمكسيك مدفوعة استراتيجياً. إنها ليست حتى علاقة عمل، بل علاقة شخصية، تحركها الدوافع والمحفزات، وهذه مشكلة كبيرة. فقد ينتهي الأمر بالولايات المتحدة وهي تسأل نفسها: من أضاع المكسيك؟». ومن المؤكد أن نييتو رئيس ضعيف وما يزال حزبه الحاكم مثقلاً بمزاعم تتعلق بسوء الإدارة والكسب غير المشروع. لذا فحديث ترامب عن الجدار يغضب الجماهير المكسيكية، لكنه يسلط الضوء على رئيسهم الذي يقول عنه النقاد إنه ضعيف للغاية في مواجهة الضغوط الأميركية. ومن المقرر أن يختار المكسيكيون رئيساً جديداً في يوليو المقبل، وقد أوضح المرشح اليساري «أندريس مانويل لوبيز أوبرادور» نيته مواجهة ترامب، وقال مؤخراً: «إذا أصر على بناء الجدار، سنتجه إلى الأمم المتحدة للدفاع عن حقوق المكسيكيين. إنني أدرك مسؤوليتي التاريخية». وفي الوقت نفسه، استؤنفت الأحد الماضي المفاوضات بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، حيث يريد ترامب إصلاح الاتفاقية جذرياً. لكن جولات التفاوض بين الدول الثلاث لم تحقق تقدماً يذكر، وتشير التقارير إلى أنه من غير المرجح أن تحدث المحاولة الأخيرة أي فارق. ـ ـ ـ ـ *محرر الشؤون الخارجية في صحيفة «واشنطن بوست» ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"