انطلقت قبل بضعة أيام في إحدى ضواحي واشنطن أشغال «مؤتمر العمل السياسي المحافظ»، وهو اجتماع سنوي مغلق لليمين السياسي الأميركي. وألقى فيه الرئيس ترامب كلمة يوم الجمعة. وكان نائبه «مايك بينس» قد أشرف على حفل الافتتاح وألقى كلمة أشاد فيها بإنجازات رئيسه خلال السنة الأولى من توليه الرئاسة، وأعلن عن إطلاق حملة «الحزب الجمهوري» للانتخابات النصفية التي ستجري هذا العام. وكتب زميلي الصحفي «ديف فيجيل» يقول: «مؤتمر هذا العام ربما يكون أكثر تنظيماً من دورته لعام 2017 لأنه يمثل احتفالاً باستعادة الحزب«الجمهوري»لقوته وببروز المشاعر القومية على الطريقة الترامبية». إلا أن المؤتمر شهد الكثير من النقاش والجدل. ويوم الخميس قبل الماضي، انضمت إلى المؤتمر «ماريون لوبين» ابنة أخ زعيمة حزب «الجبهة الوطنية» ذات الوزن السياسي الثقيل والتي تمثل أقصى اليمين الفرنسي «مارين لوبين». وأرعب ظهورها المفاجئ بعض «الجمهوريين» المعتدلين الذين لا يرغبون بإقامة أي علاقة ارتباط مع أي فصيل سياسي يجسّد بقايا العهود المظلمة للفاشية الأوروبية. وبدا وكأن مشاركة «ماريون» والزعيم السياسي البريطاني المناهض للهجرة «نيجيل فاراج» الذي ألقى خطاباً في المؤتمر يوم الجمعة، تكرّس فكرة تحوّل الحزب «الجمهوري» نحو اليمين المتطرف. وجاء الوصف الأفضل لما حدث على لسان «مات ليويس»، وهو معلق «جمهوري» معتدل حيث قال لقناة «إن. بي. سي» الإخبارية: «لا يوجد هنا محافظون، بل أعضاء في الحركة الإثنية والقومية العالمية». وتحدث في المؤتمر خطباء يملؤهم الحقد ضد المسلمين والمهاجرين منذ بضع سنوات. وكانت هناك فرصة لمشاركة بعض المحافظين وكبار المحللين والخبراء السياسيين الذين ينتمون إلى أشهر المراكز والمعاهد البحثية. وهم الذين خاضوا نقاشاتهم بعمق وهدوء. ويمكن القول بكلمة واحدة إن هذا المؤتمر أشبه باجتماع ضم شراذم من أصحاب الأفكار المتنافرة. وهذا كان حاله منذ تأسيسه قبل بضع سنوات. وكان فيما سبق يضم دعاة اليمين المتطرف بمن فيهم طلاب المدارس والجامعات بالإضافة للحركات السياسية اليمينية، ولكنه أصبح يضم الآن «الحزب الجمهوري» الأميركي. ولا يبدو أن أنصار ترامب يشعرون بالوجل من الإعلان عن تطرفهم وإيمانهم بنظرية المؤامرة والشعور بجنون العظمة وعقدة كره الأجانب. وأفرغت «ماريون لوبين» التي يبلغ عمرها 28 عاماً في كلمتها التي استمرت لفترة عشر دقائق فقط، كل ما في جعبتها من أفكار ترتبط بجنون العظمة وكره الأجانب، وقالت: «اليوم، لم تعد فرنسا حرّة أبداً. وبعد 1500 عام من وجودنا، بات يتحتم علينا الآن أن نقاتل من أجل استعادة استقلالنا»، وانتقدت الاتحاد الأوروبي بشدة. وكانت طروحاتها تلقى الصدى الطيب لدى الرئيس ترامب خلال العام الماضي. وأضافت: «إن الاتحاد الأوروبي هو فكرة بلا أرض، وبلا شعب، ومن دون جذور، وبلا حضارة». وحاولت توضيح ما تريد التعبير عنه باختصار فقالت إن فرنسا تحولت «من أقدم ابنة للكنيسة الكاثوليكية إلى ابنة الأخ الصغرى للإسلام». وشجبت ما أسمتها «لعنة الهجرة»، ونددت بالعولمة، وعبرت عن رغبتها بحلّ حلف «الناتو» والتقرب من روسيا، ولمّحت لمعارضتها للزواج المثلي، وأشادت بالاستمرارية التاريخية للأمة الفرنسية. وقالت أيضاً: «أنا لا أشعر بالإهانة عندما أستمع إلى الرئيس دونالد ترامب وهو يقول: أميركا أولاً. وفي الحقيقة أنا أريد أن تكون أميركا للأميركيين أولاً، وأريد أن تكون بريطانيا للشعب البريطاني أولاً، وأريد أن تكون فرنسا للشعب الفرنسي أولاً». ويمكن القول بطريقة ما إن دعوتها القومية هذه هي ما يمكن أن نتوقعه من أي إنسان يكون في موقعها. وخلال العام الماضي، تعرض حزب «الجبهة الوطنية» الفرنسي الذي تمثله «ماريون» في هذا المؤتمر لهزيمة قاسية من الحزب الذي يترأسه إيمانويل ماكرون، ودخل الحزب في طور الصراعات الداخلية بعد الهزيمة. وقوبل خطاب «لوبين» في المؤتمر بانتقادات حادة من المعلقين. وقال بنيامين حداد، وهو خبير سياسي أوروبي في «معهد هودسون المحافظ» في واشنطن: «إن هذه القراءة تجافي الحقيقة تماماً». ويقال أن «ماريون» دخلت في صراع مع عمتها «مارين» ولكنها متمسكة بأفكار جدها «جان ماري لوبين» مؤسس حزب «الحركة الوطنية» وصاحب السجل الطويل في إنكار المحرقة اليهودية والأطروحات العنصرية. وقال حدّاد: «تمثل ماريون الجناح القومي لأقصى اليمين كجدّها. ونظراً لأن عمتها مارين حاولت إبعاد الحزب عن صورته السامّة التي يتبناها أبوها جان ماري حتى يكون أكثر قبولاً وبحيث يمكنه اجتذاب الناخبين من طبقة العمال، فلقد فضلت معارضتها. ولهذا السبب ابتعدت ماريون عن عمّتها لأنها أصبحت معتدلة بشكل غير مقبول». ومع ذلك، يمكن القول أن أقصى اليمين الفرنسي ترك بصماته الواضحة على السياسة الفرنسية، واصبح عدد متزايد من سياسيي وسط اليمين يرددون أفكار «لوبين». ولقد بدأنا نلمس ظاهرة مماثلة في أميركا من خلال متابعة ما يجري في المؤتمر. _ _ _ _ *محلل سياسي أميركي في العلاقات الدولية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»