استوقفتني كثيراً دعوة وزير خارجية قطر أمام مجلس حقوق الإنسان قبل أيام قليلة، عندما دعا إلى «العمل على وقف انتهاكات حقوق الإنسان جراء الحصار المفروض على الدوحة، مطالباً بمحاسبة المسؤولين عنه». وما استرعى انتباهي هنا ادعاء الوزير المذكور المتكرر والمطابق لتصريحات حكومته منذ بدء الأزمة القطرية وهو «الحصار المفروض على الدوحة»! فجميع دول العالم وشعوبها، بما في ذلك الشعب القطري، يعلمون علم اليقين زيف ذلك الادعاء، وإلا فكيف استطاع وزير الخارجية وغيره من المسؤولين القطريين، وعلى رأسهم «الأمير»، الخروج بحرية من الدوحة والسفر جواً إلى بلدان العالم كافة؟ أضف إلى ذلك استمرار استيراد قطر كافة السلع الغذائية والتجارية من دول العالم وفي مقدمتها «إيران وتركيا»، واستمرار تصديرها للنفط والغاز إلى العالم، ما يؤكد بلا ريب عدم وجود حصار في الأساس للدوحة. والمثير للسخرية هنا استمرار السياسة الخارجية القطرية في تسويق تلك الادعاءات التي يعلم العالم زيفها وعدم تبني سياسة أخرى ذات مصداقية تقوم على التعامل مع الأمر الواقع، وهو وجود أربع دول قامت بقطع علاقاتها الدبلوماسية والقنصلية مع الدوحة، وهو أمر يحدث منذ فجر تاريخ العلاقات الدبلوماسية، ولن تستطيع الدوحة إجبار دول العالم على تصديق كذبة الحصار أو الضغط على الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب لإعادة العلاقات المقطوعة. والنقطة الثانية في تصريح وزير الخارجية القطري التي استوقفتني هي مطالبته بمحاسبة المسؤولين عما أسماه «الحصار». وهذا مطلب من الأجدر أن يتم تطبيقه على قطر أولاً. فهل الدوحة مستعدة للمحاسبة على إيوائها للجماعات الإرهابية، وعلى رأسهم جماعة «الإخوان» والتي هدفها الأساس هو السيطرة على مقاليد الحكم في مصر وغيرها من الدول العربية؟ هل الدوحة مستعدة للمحاسبة على قيامها بتمويل الجماعات المسلحة في سوريا وليبيا، والتي تعمل على تقطيع أوصال هاتين الدولتين العربيتين؟ هل الدوحة مستعدة للمحاسبة على دعمها لجماعة «الحوثي» الإيرانية الإرهابية التي مزقت اليمن الشقيق وتحارب الحكومة الشرعية في صنعاء وتواجه قوات التحالف بقيادة الشقيقة المملكة العربية السعودية؟ أعتقد بوجوب تحلي القيادة في قطر بالمزيد من الشجاعة لتطبيق مبدأ المحاسبة على نفسها قبل الدعوة لمحاسبة دول عربية أقصى ما قامت به هو قطع علاقاتها بالدوحة. ثم استوقفني تصريح آخر لوزير الخارجية القطري في نفس المحفل يدعي فيه قيام الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية، «بانتهاك حقوق الإنسان بحق المواطنين والمقيمين، سواء في دولة قطر أو في دولها». وهنا تذكرت ما قامت به الدوحة في الأشهر القليلة الماضية بسحب الجنسية من ما يقارب 5000 شخص من قبيلة الغفران، والتساؤل هنا: هل ما قامت به الحكومة القطرية لا يعتبر انتهاكاً جسيماً وصارخاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة في باريس عام 1948 وهو أهم وثيقة تاريخية في تاريخ حقوق الإنسان؟ ومن ضمن بنود ذلك الإعلان، نذكر المادة 15، والتي تنص على: «لكل فرد حق التمتع بجنسية ما، ولا يجوز، تعسُّفاً، حرمانُ أيِّ شخص من جنسيته....»، فهل تقبل الدوحة تطبيق هذه المادة عليها فيما يتعلق بسحب الجنسية من مواطنيها المنتمين لقبيلة الغفران؟ إن استمرار سياسة قطر التي تحاول من خلالها «تدويل» أزمتها التي تسببت فيها مع الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، ورفضها المستمر الانصياع لجهود الوساطة الكويتية القائمة التي يقودها صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت الشقيقة، لهو برهان آخر على رغبة الدوحة في الخروج من المحيط الخليجي والعربي، والغرق في بحر الإرهاب والتطرف وانفصام الشخصية، وهو ما لا يٌبشر بعودتها مرة أخرى لجادة الحق وحسن الجوار. *باحث إماراتي