نحن لا نتخيّل سكّان جمهورية مصر العربية في الوقت الحالي، أو المدينة المنورة، أو مكة المكرمة، أو محافظة بابل العراقية، حين نتلو الآيات القرآنية التي تذكر الأقوام التي عاشت في هذه الأماكن في فترة نزول الوحي أو قبل ذلك، إذ لا علاقة بين أولئك الأقوام وبين سكّان هذه الدول أو المدن في زماننا هذا، ولا أحد عاقل يقول عكس ذلك. كما أننا لا نعتبر أنفسنا مشمولين بالكثير من الآيات الكريمة التي تمتدح المسلمين الأوائل أو تعاتبهم، كما في قوله تعالى: «لقَدْ رَضِيَ اللهَ عَنِ المؤمنينَ إذْ يُبايعُونَكَ تَحتَ الشَّجرَةِ فَعَلِمَ ما في قلوبِهمْ فَأنزَلَ السكينةَ عليهِمْ وَأثَابَهُمْ فَتحاً قريباً»، أو قوله تعالى: «وَعَلى الثلاثةِ الذينَ خُلِّفوا حتى إذا ضَاقَتْ عليهِمْ الأرضُ بما رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عليهِمْ أنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أن لا مَلجَأ مِن اللهِ إلا إليهِ ثُمّ تَابَ عليهِمْ لِيَتُوبُوا إنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ». وعلى العكس من ذلك نفعل مع أصحاب العقائد الأخرى، فأي آية فيها ذكر للنصارى، أو اليهود، أو غيرهم، فإننا تلقائياً نشير بأصابعنا نحو الأشخاص من حولنا من غير المسلمين، رغم أن الآيات تتحدث عن أقوام لا علاقة لهم بمن نعيش معهم الآن على هذا الكوكب. حين تقول الآية «وَلَنْ تَرضى عنكَ اليهودُ ولا النَّصارَى حتى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ»، فالمذكورون هنا نفرٌ عاصروا النبي عليه السلام واستمعوا إليه، وكانوا يطمعون إنه إن هادنهم وأمهلهم اتبعوه ووافقوه، لكننا نتصوّر أن الآية الكريمة تتحدث عن أكثر من ملياري مسيحي ويهودي في زماننا هذا أيضاً، رغم أنهم غير معنيين بما فعله أشخاص كانوا يحملون عقائدهم نفسها قبل عشرات القرون، بل إن الكثير من تلك العقائد تغيرت وتبدلت أو جرى إبطالها. والأعجب من هذا يحدث مع غير أهل الكتاب، فثمة آيات كريمة تتحدث عن كفار ومشركين من الجزيرة العربية عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم، لكننا نطبّق تلك الآيات على المليارات من البشر في هذا الزمان ممن لا يدينون بدين سماوي، لمجرد أن هؤلاء وأولئك يشتركون معاً في الاعتقاد بدين غير سماوي. ولا أدري ما الرابط أو العلاقة بين أشخاص عاشوا في مكة وما حولها قبل 14 قرناً، صدّوا الناس عن الدعوة المحمدية، وأخرجوا المسلمين من ديارهم، وقاتلوهم في بدر وأحد والأحزاب وغيرها، بأشخاص يعتنقون ديانات غير سماوية في سنة 2018، في الصين، أو اليابان، أو الهند، أو أدغال أفريقيا؟! في القرآن الكريم آيات تبين لنا أحكام العبادات والمعاملات والأخلاق والآداب، كقوله تعالى «يا أيُّها الذينَ آمنوا كُتِبَ عليكُمُ الصِيامُ كمَا كُتِبَ على الذينَ من قبلِكُمْ لعلّكُمْ تتّقونَ»، وقوله تعالى «يا أيُّها الذينَ آمنوا أَوفوا بالعُقودِ»، وقوله تعالى «وَلا يَغْتَب بعضكُم بعضاً»، وقوله تعالى «وَلا تَمْشِ في الأرضِ مَرَحاً»، وآيات أخرى كثيرة تتحدث عن أشخاص، وأقوام، ووقائع، وأحداث، وأفكار، لا سبيل للقول إنها تشمل من يعيشون معنا في عالم اليوم إلا بدليل واضح وصريح. -------------------- *كاتب إماراتي