وقع رئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي، أمراً ديوانياً خاصاً بمساواة رواتب منتسبي «الحشد» مع الجيش العراقي، وبذلك يصبح «الحشد الشعبي» جزءاً من القوات المسلحة العراقية وكان البرلمان العراقي قد أقر قانون إدماج «الحشد الشعبي» ضمن الجيش العراقي عام 2016 وربطه بسلطة القائد العام للقوات المسلحة، إلا أن توقيت وخطوة العبادي تثير تساؤلات حول أهدافه ومآلاته المستقبلية خاصة في ظل حقيقة أن قوات «الحشد الشعبي» تتكون من الشيعة مما سيؤثر بالضرورة على تركيبة الجيش العراقي، إضافة إلى تصاعد الاتهامات الموجهة لـ«الحشد الشعبي» من المنظمات الحقوقية الدولية بارتكاب انتهاكات خطيرة بحقّ المدنيين السنة، يُضاف إلى ذلك الارتباط الواضح للمرسوم بأهداف العبادي السياسة مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في مايو القادم بهدف استمالة الأوساط الشيعية، ولكن الأخطر من كل ذلك شرعنة الدور الإيراني في العراق بما أن طهران تدعم وبشكل علني قوات «الحشد الشعبي» الطائفية، وقد دافع حيدر العبادي عن قانون إدماج «الحشد الشعبي» قائلاً نظراً لـ«التضحيات التي قدمها هؤلاء المقاتلين الأبطال من شباب وكبار السن» وأنه «أقلّ ما يمكن أن تقدمه الدولة إليهم». ينص الدستور العراقي في المادة(9) على (تتكون القوات المسلحة العراقية والأجهزة الأمنية من مكونات الشعب العراقي بما يوازي وتماثلها دون تمييز وإقصاء...) لكن الواقع اليوم يشير إلى أن معظم أفراد القوات المسلحة من مكون واحد وطائفة واحدة «الشيعة»، كما منع الدستور تشكيل ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة في المادة (9) لكن الواقع في العراق يشهد عشرات التشكيلات والميليشيات المسلحة وخارج إطار القوات المسلحة العراقية. فقوات الحشد الشعبي تشكلت عام 2014 إثر فتوى أطلقها المرجع الديني الشيعي الأعلى علي السيستاني تدعو كل من يستطيع حمل السلاح إلى التطوع في القوات الأمنية لقتال مسلحي تنظيم «داعش» وتجيز التعبئة الشعبية لدرء خطر هذا التنظيم، وهو ما وصف فقهيا بـ «الجهاد الكفائي». فاستجاب للفتوى عشرات الآلاف من شباب الشيعة العراقيين، الموزعين على الكثير من الفصائل التي حملت السلاح دعماً للجيش العراقي لطرد تنظيم «داعش» من المناطق التي سيطر عليها وأسست إثر ذلك لجنة لـ «وحدات الحشد الشعبي» انبثقت عن مكتب رئيس الوزراء لإضفاء الطابع المؤسساتي على التعبئة الشعبية ومنحها صفة رسمية مقبولة كظهير للقوات الأمنية العراقية. وانتهى القتال فعلياً في نهاية عام 2017 عندما أُعلن رسمياً عن دحض «داعش»، لكن قوات الحشد الشعبي لم يتم تفكيكها، ولكن تم شرعنتها، وأُضفيت الصفة الرسمية عليها، وكما صرح مصدر قانوني في وزارة الدفاع. «إن هذا الأمر الديواني أصبح بموجبه المعمم خريج الابتدائية راتبه يساوي راتب لواء ركن ماجستير علوم عسكرية... هذا القرار هو فساد بحد ذاته لمن يدعي مكافحة الفساد مع احترامنا للتضحيات ولكن ليس بهذه الطريقة». يبلغ عدد قوات الحشد الشعبي حوالى 130 ألف مقاتل، يشكلون 45 فصيلًا وتضم قوات الحشد الشعبي عدة فصائل مسلحة من بينها فصائل سُنية وأخرى مسيحية، ويضم «الحشد» كما تعلن الحكومة العراقية حوالى 30 ألف مقاتل سُني، والبرلماني السابق والقيادي في تحالف اتحاد القوى العراقية محمد الخالدي يصف تمثيل السُنة داخل الحشد بـ «الفضائيين». و«الفضائيون» هو مصطلح ذاع صيته في العراق وهو يعني أن العسكري اسم وهمي، أو فقط اسم على ورق فحسب الخالدي، فإن عددهم مجرد رقم غير دقيق وغير حقيقي «هناك أسماء وأرقام لا وجود فعلي لها داخل قوات الحشد». ويرى البعض بأن قرار إدماج «الحشد الشعبي» يهدف إلى «تبييض» صفحة «الحشد» في انتهاكات حقوق الإنسان وكانت منظمة العفو الدولية قد نشرت تقريراً يوثق انتهاكات «الحشد» استندت فيه إلى بحوث وتحقيقات ميدانية دامت لعامين ونصف العام، إذ يقوم خبراء تابعون لها باستجواب معتقلين سابقين، وعائلات الضحايا من الذين قتلوا أثناء المعارك أو المختطفين، والناجين من المعارك، وركز تقرير المنظمة على أربع مجموعات مسلحة تتلقى كلها الدعم من إيران، وهي «منظمة بدر»، و«عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«سرايا السلام» وقالت المنظمة «إن أسلحة وذخيرة صُنعت في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، استخدمت في جرائم حرب وانتهاكات من قبل ميليشيات مسلحة تحارب إلى جانب الجيش العراقي، وأضافت أن «الميليشيات الشيعية التي تعرف بالحشد الشعبي استخدمت أسلحة تابعة للجيش العراقي في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، مثل التعذيب والاختفاء القسري، والإعدامات خارج إطار القانون». سينعكس القرار على تجذير الخلل الطائفي في قوات الجيش العراقي في مخالفة صريحة لنص المادة التاسعة من الدستور المذكورة مسبقاً كما لايخفي ارتباط فصائل «الحشد» بإيران، فاللقاءات مستمرة وعلنية بين قادة فصائل «الحشد» وقاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، وكذلك الإشادة المستمرة لقياديي «الحشد» بالدعم الإيراني فولاءات تلك الجماعات الطائفية المسلحة والمؤدلجة لإيران مؤدياً بالنتيجة إلى ترسيخ الانقسام الطائفي في المؤسسة العسكرية العراقية، وهو ما يمثل خطورة على مستقبل الدولة العراقية. *كاتبة إماراتية