ما هي القواسم المشتركة بين لعبة «بوكيمون جو» والتعذيب بتقنية الإيهام بالغرق التي استخدمتها وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» وبين انتهاكات الشرطة الأميركية في فيرجسون وأنشطة الرقابة التي تقوم بها وكالة الأمن القومي، أو الجدار الحدودي الذي يقترح الرئيس دونالد ترامب تشييده على الحدود مع المكسيك؟ إذا كنت تميل إلى قول «لا شيء»، فعليك بقراءة الكتاب الجديد لـ«بيرنارد هاركورت» والذي يحمل العنوان: «الثورة المضادة.. كيف خاضت حكومتنا حرباً ضد مواطنيها». وبالنسبة لـ«هاركورت»، أستاذ القانون بجامعة «كولومبيا»، فإن تلك الظواهر تشكل في مجملها جزءاً لا يتجزأ من «نموذج جديد لحكومة ملهمة بنظرية وممارسة مكافحة التمرد». ويصف المؤلف نموذج الحكم ذلك بأنه «ثورة مضادة تعتمد على هيمنة شاملة على المعلومات، والتخلص من الأقليات المزعجة وتحويل بقية السكان بنجاح إلى مؤيدين للقوى النافذة». وكعقيدة عسكرية للجيش الأميركي، بلغت نظرية مكافحة التمرد ذروتها في «الدليل الميداني لمكافحة التمرد» الصادر عام 2006 عن فيالق البحرية والجيش الأميركي، والذي يطرح بديلاً مؤثراً للنموذج السائد في الحرب الميدانية واسعة النطاق، النموذج التقليدي التي هيمن على التفكير العسكري لجيوش معظم الدول في العالم خلال القرن العشرين كله تقريباً. وعندما لا يكون العدو جيشاً نظامياً لدولة معادية، فإن الافتراضات التقليدية بشأن قيمة كتائب المشاة الحاشدة التي تتقدم للاستحواذ والسيطرة على الأراضي، لا تكون افتراضات ملائمة تماماً. وبدلاً من ذلك، يتعين على القادة العسكريين إدراك أنه «في كل حالة تقريباً، تواجه عمليات مكافحة التمرد احتواءً شعبياً لأقلية نشطة تؤيد الحكومة وفصيل مسلح صغير مماثل يعارضها. ويقتضي النجاح في مكافحة التمرد قبول شرعية الحكومة من قبل معظم السكان غير الملتزمين تجاهها، وفي تلك الأثناء يتم تكذيب حركة التمرد وتقويضها في نهاية المطاف». ويتطلب ذلك كله عملية جمع للمعلومات. ومثلما يشير المؤلف، لابد من استخدام متوازن للأساليب العسكرية وغير العسكرية. وبعبارة أخرى، تعتبر أنشطة مكافحة التمرد مسعى سياسياً يرتكز أيضاً على استخدام الوسائل والأساليب الناعمة في إدارة الأزمات وتسيير الخلافات. ويؤكد «هاركورت» أنه بمرور الوقت، أضحى ذلك الأسلوب في مكافحة التمرد أسلوباً متبعاً على نطاق واسع ومهيمناً ليس فقط على أنشطة الجيش الأميركي وفيالقه على اختلافها، لكن أيضاً على السياسات الخارجية، بل طال السياسات المحلية أيضاً. وبالنسبة لـ«هاركورت»، فقد قادنا التفكير في مكافحة التمرد في نهاية الأمر إلى ممارسة التعذيب وتنفيذ عمليات الاعتقال إلى أجل غير مسمى وشن الضربات الجوية باستخدام طائرات من دون طيار، وعمليات جمع البيانات على مستوى عالمي من قبل وكالة الأمن القومي، بل وإلى عسكرة السياسات الخارجية. ويقول المؤلف: «لقد جلب لنا الأمر برامج شرطة نيويورك للتسلل وجمع البيانات حول المجتمعات المسلمة في مدينة نيويورك، إلى جانب عشرات من التطورات الأخرى المزعجة، ومن بينها تقديم معدات عسكرية لمراكز الشرطة المحلية، وحوادث إطلاق النار على أشخاص سود عزل، والجدار المقترح على طول الحدود مع جارتنا الجنوبية المكسيك». ويزعم المؤلف أن تلك التطورات الصعبة تشكل في مجملها جزءاً من الطريقة الشاملة للحكم الأميركي المنبثقة عن نظريات مكافحة التمرد. ويوضح ذلك بقوله: «إن الشعب الأميركي، الذي يُنظر إليه فقط من منظور مكافحة التمرد، مثله مثل الشعب العراقي أو الأفغاني، يمكن افتراض أنه يحتوي أقلية خطيرة ومسلحة، مثل مسلمين يمكن أن يتحولوا إلى إرهابيين أو مكسيكيين قد يصبحون مغتصبين أو سود سيكونون مجرمين، إضافة إلى تهديدات أخرى محتملة لأنظمة السلطة». ثم يستطرد «هاركورت»: «وكما هي الحال مع المتمردين العراقيين، فإن تلك الأقلية الخطيرة المزعومة تختفي بين جموع السكان الأميركيين بشكل عام، وبالنسبة للسلطات فالمهمة الرئيسية في هذا الخصوص هي تحديد أولئك الأعداء المفترضين في الداخل والتخلص منهم من خلال عمليات مراقبة جماعية، بمساعدة شركات التكنولوجيا والإنترنت وجمع البيانات الشخصية عن الأميركيين كافة، وعبر غارات تستهدف مجتمعات اللاجئين، وأنشطة شرطية مكثفة ومراقبة المساجد، والتسلل بين التظاهرات والجماعات الطلابية والحجز الاحترازي والحبس الانفرادي واعتقال الأحداث». ويشير المؤلف إلى أنه من أجل نجاح عمليات مكافحة التمرد في أميركا يجب إقناع الأقليات السكانية بشرعية الخطط الموضوعة، وفي أميركا المعاصرة يتم ذلك من خلال مزيج ملحوظ من الترفيه وصرف الانتباه والدعاية والإعلان والمتعة، ويتم تقديم ذلك في الوقت الراهن بفضل العالم الرقمي الثري، الذي يتيحه فيسبوك وبوكيمون جو. ويقرّ هاركورت بتورط الجميع في الخضوع لتلك الممارسات، من خلال التعطش الشديد للعالم الرقمي، لاسيما فيسبوك وأمازون براي وغيرهما من منصات التواصل الاجتماعي، مضيفاً: لقد يسّرنا بذلك عملية إخضاع أنفسنا لمراقبة كلية. وهو يتصوّر أن المقاومة ربما تكون مفيدة من خلال مساندة حركات مدنية مثل «حياة السود مهمة». وائل بدران الكتاب: الثورة المضادة المؤلف: بيرنارد هاركورت الناشر: بيسك تاريخ النشر: 2018