التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الرئيس الأميركي الثلاثاء الماضي في مستهل زيارته للولايات المتحدة والتي تمتد لثلاثة أسابيع يجول خلالها مدناً عدة. ومن المقرر أن يلتقي الأمير كبار المسؤولين الماليين في نيويورك والأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولين عن كبار شركات التكنولوجيا مثل غوغل وآبل، إضافة إلى شركة لوكهيد مارتن لتصنيع السلاح. لقاءات سريعة ومهمة ولكنها تعكس ديناميكية السياسة السعودية فهي لقاءات سياسية اقتصادية عسكرية وكذلك إعلامية ستعكس في مجملها الحراك السعودي الذي يقوده ولي العهد السعودي والذي ينتظر من خلاله تعزيز الشراكة السياسية والاقتصادية، والتأثير على الحكومة الأميركية والإعلام الأميركي في إعادة النظر في الكثير من قضايا المنطقة. تأتي الزيارة في وقت تشهد فيه العلاقات بين واشنطن والرياض حالة من التقارب في وجهات النظر حيال العديد من الملفات في المنطقة، فضلاً عن أن تعيين جون بولتون مستشاراً جديدا للأمن القومي دلالة على أن هناك تغييراً في سياسة أميركا سينعكس بالضرورة على الملف الإيراني إذ تتلاقى الرغبة السعودية والأميركية في تحجيم دور إيران في المنطقة وتطويق برامجها النووية واستعادة الرياض لدورها، وستسهم هذه الزيارة في تفعيل التعاون المشترك بين الجانبين، في ظل التغير الواضح التي تشهده خريطة التحالفات في المنطقة جراء الصراع الخفي بين موسكو وواشنطن لبسط المزيد من الهيمنة والنفوذ. على المستوى الداخلي، انطلق مشروع محمد بن سلمان التحديثي للفكر السياسي السعودي عندما أطلق ابن سلمان، ما سمي ب «رؤية 2030»، التي تهدف إلى إجراء إصلاحات شاملة في المملكة، وقد أطلقت تلك الخطة في شهر أبريل 2016 لتقليل اعتماد اقتصاد المملكة على النفط، وبدأ العمل، ضمن إطارها، في نحو 80 مشروعاً حكومياً تتراوح تكلفة الواحد منها بين ثلاثة إلى سبعة مليارات ريال سعودي، واتخذ ولي العهد السعودي سلسلة إجراءات وقرارات، بعضها جديد وثوري على المجتمع السعودي مثل قرار السماح للمرأة بقيادة السيارات، وفي إطار حملة غير مسبوقة لمكافحة الفساد، أمر بحبس أمراء ووزراء بتهم فساد واستغلال السلطة، وهذا أمر لم تعهده المملكة العربية السعودية من قبل. أما على المستوى الخارجي فتسعى الدبلوماسية السعودية إلى تغيير الصورة النمطية في الإعلام الغربي عن المملكة العربية السعودية انطلاقاً من تجديدها الخطاب الديني الوسطي البعيد عن التزمت والتشدد ودورها الرائد في محاربة الإرهاب والفكر الأصولي المتطرف. سعى ابن سلمان في زيارته إلى إعادة رسم الصورة الحقيقية للمملكة العربية السعودية في أعين الشعب الأميركي بعيداً عن الصورة المغلوطة الخاضعة لأجندات تخضع لمصالح خاصة من مصلحتها ربط السعودية بالإرهاب والنفط، وبأي من العناوين البراقة التي تستهوي الإعلام الأميركي الخاضع لأجندات اللوبيات وجماعات المصالح. فقال محمد بن سلمان في مقابلة أجرتها معه شبكة «CBS» الأميركية مخاطباً الشعب الأميركي: «بعد العام 1979 كنا ضحايا، لا سيما جيلي الذي عانى كثيراً من ذلك». باعتبار أن زيادة التشدد في بلاده ناجمة عن تداعيات الثورة الإسلامية في إيران عام 79 قائلاً: «هذه ليست المملكة العربية السعودية الحقيقية، وأود أن أوجه طلبًا لمشاهديكم باستخدام هواتفهم الذكية لمعرفة ذلك، ويمكنهم البحث عن معلومات حول السعودية في الستينيات والسبعينيات عبر موقع Goggle، وسيجدون بسهولة السعودية الحقيقية في الصور التي سيعثرون عليها». اليوم تسعى الدبلوماسية السعودية بقيادة ابن سلمان في زيارته الموسعة للولايات المتحدة والقمة الأميركية السعودية التي عقدت، إلى التركيز على الشراكة الحقيقية بين البلدين وإعادة توجيه البوصلة بالتركيز على التوافقات السياسية بما يخدم استقرار المنطقة والتعاون الاقتصادي، بما يتسق مع رؤية 2030، قد لا تنعكس الزيارة بشكل مباشر في تغييرات جذرية في السياسات بقدر ما ستظهر لواشنطن حجم المخاطر والتحديات الراهنة في المنطقة، وفي الوقت ذاته، ستبرز الفرص الاقتصادية للحكومة وللقطاع الخاص الأميركي التي ستضمنها التوافقات السعودية-الأميركية، فالتحالف السعودي الأميركي هو المظلة الرئيسة لضمان أمن واستقرار المنطقة.