«التوطين» كلمة ظلت تتردد على مسامعنا عقود طويلة منذ إنشاء دولة الإمارات العربية المتحدة دون أن يوليها البعض أهمية وتفكيراً عميقاً في مدلولها وأهميتها. وقبل أن نستعرض أهمية «التوطين» علينا أن نستحضر مقولة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيب الله ثراه – مؤسس الدولة الذي قال: «إن عملية التنمية والبناء والتطوير لا تعتمد على من هم في مواقع المسؤولية فقط بل تحتاج إلى تضافر كل الجهود لكل مواطن على أرض هذه الدولة. ومن أبرز دلالات تلك المقولة أنها دعوة لكافة مواطني الدولة على اختلاف مؤهلاتهم العلمية وخبراتهم العمالية ومهاراتهم لدخول سوق العمل في كافة مجالاته – الحكومية وشبه الحكومية والخاصة – للمشاركة في عملية التنمية. وفي هذا الإطار نجد «توطين الوظائف» من أبرز مؤشرات الأداء الرئيسية لتحقيق رؤية الإمارات 2021 والتي تهدف مضاعفة عدد المواطنين العاملين في القطاع الخاص إلى 10 أضعاف الرقم الحالي بحلول عام 2021. وقد أطلقت حكومة الإمارات مبادرة التوطين، لضمان دخول أكبر عدد من المواطنين إلى سوق العمل، وبشكل خاص في القطاع الخاص، وأولت أيضاً أهمية كبرى لخلق فرص وظيفية للمواطنين، وتقديم ما يحتاجونه من برامج الإرشاد والتوجيه المهني، والتدريب والتطوير، بهدف سد الفجوة الهيكلية التي يتميز بها سوق العمل الإماراتي من حيث غلبة القوى العاملة الوافدة على المحلية، واتجاه أغلب المواطنين للعمل في القطاع الحكومي، بينما تتركز الغالبية العظمى للعمالة الوافدة في القطاع الخاص. وبناء على الأرقام الرسمية المنشورة حديثاً، فقد قامت وزارة الموارد البشرية والتوطين، بمساعدة 6862 مواطناً ومواطنة خلال عام 2017 على التعيين في القطاع الخاص بنسبة زيادة 22‎‎%، مقارنة مع المواطنين الذين تم تعيينهم في عام 2016 في القطاع الخاص، والذين بلغ عددهم 5608 مواطنين. كما تركز الوزارة على استهداف 400 فئة من الوظائف في 2000 منشأة في القطاع الخاص، حيث سيتم منح الأولية في التوظيف على هذه الوظائف للمواطنين، وتهدف الوزارة إلى توفير أكثر من 15 ألف فرصة عمل مناسبة للمواطنين في القطاع الخاص مع نهاية عام 2018. والملاحظ أن وزارة الموارد البشرية والتوطين أصبحت تتعامل مع ملف «التوطين» بأسلوب ومقاربة تتسم بالطابع العملي أكثر من النظري مما يساعدها في تحديد أولوياتها ومؤشرات نجاح «التوطين» بصورة محددة عن ذي قبل مع عدم تجاهل أو أغفال جهود القائمين على الوزارة في السنوات الماضية والذين كانت لهم إنجازات في ملف «التوطين». وقد وضعت الوزارة منهجية جديدة، ترتكز على ثلاثة مبادئ أساسية، أولها اعتبار التوطين مسؤولية مشتركة تتطلب تطوير الشراكة مع القطاع الحكومي الاتحادي والمحلي والمناطق الحرة، المنظمة لقطاعات اقتصادية حيوية، والمؤسسات العاملة في تلك القطاعات، إضافة إلى مؤسسات التعليم. فيما يتمثل المبدأ الثاني في تطوير إطار استراتيجي لتخطيط القوى العاملة، من خلال التركيز على التوطين النوعي في قطاعات ووظائف مستهدفة، وفقاً لخطط استراتيجية ورؤية مستقبلية لاتجاهات سوق العمل، وذلك للتنمية والاستثمار الأمثل للقوى العاملة الوطنية. بينما يستهدف المبدأ الثالث الاستمرار في تحفيز المؤسسات على التوطين، وتشجيع المواطنين على الالتحاق بالعمل في القطاعات والوظائف المستهدفة والاستمرار فيها. ومن أبرز خطط الوزارة أيضاً في ملف «التوطين» للمرحلة القادمة، إنشاء «نظام التوظيف المبتكر» الذي سيتم بموجبه استحداث 1500 مركز للعمل عن بعد، الأمر الذي من شأنه خلق فرص عمل للمواطنين الباحثين عن العمل في المناطق البعيدة عن المدن. ذلك هو ملف «التوطين» والأهمية التي يحظى بها منذ إنشاء الدولة وجهود الحكومة لتحقيق أعلى معدلات توطين الوظائف في القطاع الخاص تحديداً ولكن لا يخلو الأمر من تحديات ومصاعب علينا جميعا أن نتضافر لمواجهتها والعمل على التقليل منها. *باحث إماراتي