تعيش «جوليان موادا» على حافة دغل في أفريقيا الوسطى في بلد قد يكون الأكثر بؤساً في العالم، بعد أن مزقته الحرب الأهلية والتطهير العرقي على مدار 14 عاماً وبلا وجود تقريباً للحكومة. وموت الأطفال هنا أمر اعتيادي بسبب الفوضى والخلل الوظيفي. وفقدت «موادا» ثلاثة أطفال من خمسة أنجبتهم. والآن ترعى طفلها الرابع المعرض للخطر بإخلاص شديد وتشبث بالأمل. لكن طفلها مريض للغاية بسبب الملاريا ولا يستجيب تقريباً لهدهدات والدته. ومازالت الأم تجلس بجانب كوخها وتتعلق بأهداب الأمل. وتعتبر جمهورية أفريقيا الوسطى عاصمة المأساة الإنسانية لأنها تضم مجموعة أزمات تتعرض لأكبر إهمال في العالم. فأفريقيا الوسطى تحتل المرتبة الأولى في أكثر دول العالم جوعاً وفقاً لأحدث مؤشر للجوع العالمي. واضطر ربع سكانها إلى النزوح بسبب القتال. وحذر الصليب الأحمر من أن الظروف الإنسانية «تتدهور بسرعة». والأمم المتحدة تقول إن خطتها للمساعدات الإنسانية في أفريقيا الوسطى لا تحظى إلا بنسبة 2% من التمويل اللازم لها. وتبرز هذه البلاد حقيقة أكبر، وهي أنه منذ آلاف السنين كان الجوع والمرض هو أكبر تحد للبشرية لكن ربما يكون الصراع هو أكبر تحد للبشرية الآن. فقد انخفضت نسب السكان الذين يعيشون في فقر مدقع بنحو 90% منذ القرن التاسع عشر إلى أقل من 10% الآن. لكن هناك استثناءات مثل أفريقيا الوسطى وجنوب السودان وجمهورية الكونجو الديمقراطية لأن هذه الدول لا تديرها حكومات بل جماعات مسلحة. وتقدر الأمم المتحدة أن 80% من حاجات تمويل المساعدات الإنسانية سببها الصراع. وبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة أشار إلى أن الصراع يتسبب في 60% من الجوع المهدد للحياة. لذا يتعين علينا أن نعيد النظر في الحرب العالمية على الفقر. ويجب على العالم حالياً أن يعالج الصراعات بالحماس الذي اتبعه في مكافحة الإيدز. ويتعين على المانحين أن يركزوا ليس على حفر آبار وفتح مدارس، بل أيضاً على بناء السلام. والحقيقة العارية هي أن وجود جنود يحملون السلام لحفظ السلام في بعض المناطق هو أهم المساعدات الإنسانية التي يمكن تقديمها في مناطق الصراع. لكن الرئيس دونالد ترامب قلص المساعدات لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. لكن عدم حفظ السلام يعني حكماً على المدنيين بأن يجري اغتصابهم وإطلاق النار عليهم والتضور جوعاً مثل فريدريك باندوان. لقد التقيت فريدريك في بلدة «بودا» في غرب أفريقيا الوسطى في مستشفى تديره جماعة إغاثة يطلق عليها «اليما» (Alima). وهو طفل في الخامسة من عمره هزيل للغاية أضلعه تبرز من تحت جلده ويزن 19.6 رطل، وهذا أقل من نصف الوزن المتوسط لطفل أميركي في الخامسة من عمره. ووالدته «تيفول رايسا» ذكرت أنهم فروا من القتال ولم يعد لديها أرض تزرعها الآن. ولم تعد «رايسا تُذكر المرة الأخيرة التي أكلت فيها لحماً أو بيضاً. والأسرة تحصل على وجبة في المساء يومياً. وأفريقيا الوسطى بها مساحات كبيرة من الأراضي القابلة للزراعة ويجب ألا يجوع فيها أحد. لكن العنف يغير كل شيء. وروت «كوليت لوندي»، وهي والدة أحد الأطفال الذين يعانون بشدة من سوء التغذية وينازع الموت في مستشفى، قصتها قائلة إن زوجها قتلته ميليشيا وتم تدمير منزلهم مما ترك الأسرة دون شيء تأكله فيما عدا بعد درنات الكاسافا. ويمزق أفريقيا الوسطى نحو 14 جماعة مسلحة. ونشب أحيانا القتال فيها بين المسلمين والمسيحيين، لكن الميليشيات هذه الأيام يهمها المال في المقام الأول. فهي تقيم نقاط تفتيش لتتقاضى «ضرائب» على كل مركبة تمر إذا لم تسرق ببساطة الشاحنات أو البضائع. وأشار نيال كرنجيل الدبلوماسي الأميركي البارز إلى أن (الصراع أكثر ربحاً من السلام)، مشيراً إلى أن انعدام الأمن يعني أن تدير الحكومة عيادات طبية أقل وأن تموت النساء عند الولادة بأعلى معدل في العالم. والمساعدات تصبح مكلفة وتقديمها يصبح خطيراً. فقد قتل مسلحون 16 من عمال المساعدات الإنسانية هنا العام الماضي وقُتل ستة آخرون حتى الآن من العام الجاري، مما يجعل أفريقيا الوسطى واحدة من أخطر دول العالم لعمال الإغاثة. لكن لا يأس مع الحياة. فقد تعافت سيراليون وموزمبيق وليبيريا من الفوضى والحرب الأهلية وأشاعت الأمن. ولإلحاق الهزيمة بالفقر بشكل نهائي يتعين علينا معالجة الصراعات وإلا سيكون هناك دوما أسر تفقد طفلاً بعد آخر. ودون سلام لا يمكن إنجاز شيء. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»