مما لا شك فيه أن جون بولتون يستحق نصيبه العادل من الانتقاد، لكن يبدو أن الديمقراطيين وحلفاءهم في وسائل الإعلام أخذوا ينحرفون عن السكة، لأن بعض انتقاداتهم لمستشار الأمن القومي المعين باطلة تماماً. فبولتون دبلوماسي محترف ومحنك؛ ورغم خطابه الصقوري في ظاهره، فإنه يملك خبرة ستفيد هذه الإدارة كثيراً، خاصة في ما يتعلق بموضوع كوريا الشمالية، وهو ما يجعل منه رجلاً مناسباً في الوقت المناسب. وسواء عن تصميم أو مجرد مصادفة، فإن الرئيس دونالد ترامب يسير نحو قمة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، قمة ستكون حاسمة بغض النظر عن نتائجها. ولأن لا أحد سيثق في قيام ترامب بذلك بشكل منفرد مع كيم، يمكن القول إن بولتون وحده ربما يستطيع الذهاب إلى كوريا الشمالية، على غرار العبارة الشهيرة «نيكسون وحده يستطيع الذهاب إلى الصين». ولنتذكر أنه لم يكن ثمة أحد أكثر انتقاداً ومعارضة لكوريا الشمالية في واشنطن من بولتون. والكوريون الشماليون يدركون ذلك، وهو أمر قد يُحدِث فرقاً. ومعلوم أن الجمهوريين ما كانوا ليقبلوا أبداً اتفاقاً من الرئيس باراك أوباما، لكن ماذا عن صفقة من بولتون؟ أعتقدُ أن عضو مجلس الشيوخ ليندسي جراهام (الجمهوري عن ولاية كارولاينا الجنوبية) كان يتحدث باسم معظم الجمهوريين عندما قال الأحد إن «الكوريين الشماليين يعرفون، من دون شك، أن جون بولتون يعتبر برنامجهم النووي تهديداً للولايات المتحدة وسينصح الرئيس باستخدام القوة العسكرية إن اضطر لذلك، ما يعني أن احتمال قيامنا بذلك أقل». غير أن ثمة بعض الأصوات ذات المصداقية التي تبدو قلقة بشأن حجم النفوذ الذي سيصبح لدى بولتون قريباً. ومثلما كتبت المتميزة «سوزان بي. جلايسر»، الاثنين الماضي، فإن «بولتون.. مولع بالحرب شخصياً وميال للحرب مهنياً، وقريباً سيصبح أقرب مستشار لرئيس عديم التجربة بشأن كيفية التعاطي مع التحديات العالمية». غير أنه إذا حدث ووافق بولتون على اتفاق مع كوريا الشمالية، فإن ذلك سيعني الكثير حتى بالنسبة لأشد منتقديه الذين يعرفونه باعتباره شخصاً متشدداً يجنح إلى القوة ولا يكشف عن أسلوب حمائمي أبداً. ولأنه ليس لدى الديمقراطيين أجندة ليقدمونها للناخبين في استحقاق نوفمبر المقبل، فإنه لم يتبق لهم سوى التمسك بقصة التواطؤ مع الروس، حتى عندما يتعلق الأمر ببولتون. وبعض الديمقراطيين مثل عضو مجلس الشيوخ تيم كاين (عن ولاية فرجينيا) ذهبوا إلى حد التلميح إلى أنه ربما ينبغي عدم منح بولتون «موافقة أمنية»؛ إذ كانت له اتصالات مع الروس على مر السنين. والحال أن معظم العاملين في مجال السياسة الخارجية في الولايات المتحدة تكون لهم اتصالات مع الروس بحكم طبيعة عملهم. ثم إن حلفاء المرشحة التي اختارت كاين ليكون رفيقاً لها في السباق (هل تتذكرون كلينتون- كاين؟) هم الذين استخدموا معلومات وفّرها الروس. وعلى كل حال، فإن كلام كاين لا محل له. والديمقراطيون لا يملكون أي دليل على أي خرق للقانون من جانب بولتون. لكن هذا لن يوقفهم عن إحداث كثير من الصخب بالطبع. والأكيد أنهم وحلفاؤهم في وسائل الإعلام لن يجعلوا مهمة بولتون سهلة. إن بولتون ليس وافداً جديداً على واشنطن. كما أنه ليس الشخص العصبي الأحمق الذي يريده أعداؤه أن يكون. والحقيقة أنه قدّم أداءً مثيراً للإعجاب على أعلى مستويات الحكومة على مدى سنوات. ولا شك أن تجربة بولتون وشخصيته ستساعدانه على توفير النظام في إدارة يعمُّها الاضطراب. كما أنه يملك سجلاً مهماً في إثبات أن منتقديه على خطأ. وربما لن يوقف بولتون الرئيس عن إرسال تغريدات على تويتر، لكنه ربما يستطيع منع كيم من إطلاق رؤوس نووية. ويالها من سخرية كبيرة كون هذه الأخيرة قد تكون أسهل من الأولى!