كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يستمع إلى محطته المفضلة «فوكس نيوز»، عندما أطل من الشاشة جون بولتون في مقابلة سياسية أجرتها معه إحدى المذيعات. سألت المذيعة بولتون عن رأيه فيما يجب أن يقوله الرئيس ترامب للرئيس الكوري الشمالي كيم جون أون عندما يلتقيان قريباً. أجاب بولتون بثقة ودون تردد: «يجب أن يكون الحديث مختصراً جداً. وأن يبدأ بكلام واضح ومباشر للرئيس ترامب يقول فيه: قل لي إنك بدأت تصفية ترسانتك النووية تصفية كاملة. لأننا لن نبدأ محادثاتنا قبل ذلك.. يجب أن تخبرني بذلك الآن، وإلا فسوف نبدأ التفكير بشيء آخر». سألتْ المذيعة: وما ذلك الشيء الآخر؟ أجاب بولتون: توجيه الضربة النووية الاستباقية. وتسأل المذيعة: وكيف تبرر ذلك؟ يجيب بولتون: إنها الرد اللازم على تهديد قائم. بعد المقابلة مباشرة، استدعي بولتون إلى البيت الأبيض ليعين مستشاراً للشؤون الأمنية. وهو ثالث مسؤول أميركي يشغل هذا المنصب الحساس منذ بداية عهد ترامب قبل 14 شهراً، ليحلّ محل الجنرال ماكماستر. كانت مشكلة الرئيس ترامب مع مستشاره الأخير تكمن في أنه كان مؤرخاً إلى جانب كونه عسكرياً. وبخلفية المؤرخ كان يقدم مقترحاته إلى الرئيس مع دراسة مفصلة حول كل اقتراح ليترك له اختيار ما يراه مناسباً. غير أن صدر الرئيس ترامب كان يضيق عن القراءة المطولة. كان بولتون يوصف بأنه يطلق النار في كلامه. أما الآن فيبدو أنه أصبح في موقع القادر على إطلاق النار بالفعل. وحتى عندما كان سفيراً للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، أطلق عبارة لا تزال أصداؤها تردد في أروقة المنظمة الدولية، عندما قال «إن انهيار الطبقات العشر العليا من مبنى الأمم المتحدة لا يعني شيئاً. فهو لا يقدم ولا يؤخر». وكان من العاملين على تجميد حصة الولايات المتحدة في موازنة المنظمة، لأنه اعتبرها معادية للسياسة الأميركية. ولعله أول مسؤول «سابق» يعلن موت مشروع «حلّ الدولتين»، فلسطين واسرائيل، حتى قبل أن يختاره ترامب للمنصب الجديد. يقول بولتون إنه لا يؤمن بجدوى الإنذارات والتهديدات ولا حتى بالعمل الدبلوماسي مع كوريا الشمالية، وإن الطريقة الوحيدة للتعامل معها هي القوة، وهذا ما تملكه الولايات المتحدة للدفاع عن أمنها ومصالحها. فالدبلوماسية في نظره عقيمة الفائدة هنا، ومضيعة للوقت، إذ تقدم للعدو فرصاً للمناورة والالتفاف. لذلك تصف الصحف الأميركية بولتون بأنه الأشد عداءً للدبلوماسية بين الدبلوماسيين. وقد سبق له أن عبّر عن ذلك في عهد الرئيس بوش الابن، حين كان أحد أعضاء الحلقة المصغرة المحيطة به والتي اتخذت قرار غزو العراق. وكان من أشد المدافعين عن النظرية التي ثبت فيما بعد أنها مفبركة والتي ادّعت أن العراق ينتج أسلحة دمار شامل، وأنه يدرب عناصر «القاعدة» على استخدامها ضد الولايات المتحدة وحلفائها. وقد تصادف إعلان اختياره للمنصب الجديد مع ذكرى الغزو. وقد أيد بولتون الرئيس ترامب في الانسحاب من معاهدة باريس حول التغير المناخي، ويشاركه في رفع شعار «أميركا أولاً». من أجل ذلك يعتبر تعيين بولتون أكثر القرارات درامية التي اتخذها ترامب وأشدها ميلاً للعنف في ممارسة السياسة الخارجية. والخلاصة أن ترامب وجد في بولتون شخصية تتوافق مع أسلوبه وتطلعاته وآرائه. وهذا يعني أن مؤسسة الأمن القومي لن تقدم للرئيس إلا المقترحات التي تلتقي مع رغباته، ليس تزلفاً منها واسترضاءً له، ولكن نتيجة حتمية لتلاقي الأفكار والآراء، الأمر الذي يحمل أكبر خطر على العلاقات الأميركية الخارجية. وإذا لم تكن أمام الرئيس «خيارات» متعددة للمقارنة والمفاضلة ولاختيار.. وإذا لم يقدم له إلا ما يرضيه، فمعنى ذلك أن السياسة الخارجية الأميركية القائمة على الانسجام بين الثنائي بين ترامب وبولتون، معرّضة لمواجهة أزمات قد تكون بداياتها في كوريا الشمالية!