أود أن أقول إنني أُعجبت بمسيرة السيطرة على الأسلحة التي شاركت فيها يوم السبت الماضي في واشنطن، فالجمع كان طيب القلب، دمث الخلق، متنوعاً، وحفيّاً. وفي وقت تتضاءل فيه الثقة في الديمقراطية، حافظ الجميع بصورة مذهلة على إيمانهم الراسخ بالنظام الديمقراطي، وبأن التصويت هو الطريقة الأمثل للتغير. ولم يسد بينهم فحش الحرب الثقافية، ولا شعور بالنقمة. واحتفى الجميع بالمزارعين والصيادين والبيطريين. ولم تكن هناك ضغينة تجاه أحد باستثناء «الاتحاد القومي للأسلحة». وبالطبع، كان هناك بعض المتحدثين المتحمسين والغاضبين من الطلاب، ومعظمنا كنا مثلهم عندما كنا في الثمانية عشرة من عمرنا. لكن على رغم من أحاديثهم عن «ثورة»، لم تكن تلك المسيرة تهدف إلى أكثر من سلسلة من الإصلاحات المنطقية والعملية والمعتدلة، والتي تتمثل في تقييد بيع الأسلحة الحكومية، وتوسيع عمليات فحص السجلات الخاصة بمشتري الأسلحة، وبعض التدابير المماثلة. ومؤخراً، بدا أن الدولة الأميركية تخرج عن السيطرة، وأن التطرف في جانب يولّد تطرفاً في الجانب الآخر، لكن المسيرة التي شاهدتها لم تكن متطرفة، بل كانت إجابة أخلاقية مسؤولة لتصحيح خطأ فادح ألا وهو: العنف باستخدام الأسلحة النارية. وقد أعجبتني المسيرة باعتبارها تجسيداً شديد الجاذبية للشغف الأخلاقي الأميركي. وقد اجتازت المسيرة ما أعتبره «اختبار النعمة». فمن بين أفضل نعم الحياة أن يولد المرء مواطناً أميركياً. فنحن ورثة محظوظون للعقيدة الأميركية، التي ارتكزت على الحرية والمساواة والفرص والديمقراطية. وليس هناك ما يسمى «المذهب الفرنسي» أو «المذهب الإيطالي»، لكن هناك مذهب أميركي. وقد اشتهر «ريتشارد هوفستادتر» بقوله: «لقد كان مصيرنا كأمة ألا تكون لدينا أيديولوجيات.. بل إن نكون أيديولوجية». وعلاوة على ذلك، نحن ورثة محظوظون لنظام وضعه الرؤساء الأميركيون «ماديسون» و«جيفرسون» و«هاميلتون» لتجسيد تلك العقيدة، والعبارات التي استخدمها «لينكولن» و«كينج» ورؤساء آخرون لتوسيعها. ونحن أيضاً ورثة ليس فقط لعموميات فلسفية، ولكن لنضال تاريخ محدد تحديداً كاملاً، وللإرث الذي تركه أميركيون أوائل مثل «كريسباس أتوكس» و«ناثان هال» و«سوليفان بالو»، الذين قتلوا في الحرب الأهلية منافحين عن تلك العقيدة الأميركية، وكذلك إرث الملايين من آباء المهاجرين الذين عانوا من أجلها. وكل ما علينا هو أن نكون على قدر هذه النعمة كأميركيين، وأن نأخذ على محمل الجد دورنا في تضييق الفجوة بين العقيدة الأميركية التي توحدنا، والواقع الأميركي الذي يحبطنا دائماً. وقد بدا الحشد في واشنطن، الذي اجتمع قبالة القبة الرمزية لمبنى الكونجرس، ثابتاً بقوة على ذلك النهج. وربما تلاحظون أنني في الفقرات السابقة من مقالي استخدمت مصطلح «نعمة» بطريقة إيجابية جداً، فالشعور بالنعمة الأميركية يمنحنا إحساساً بالامتنان والتواضع، إذ توحدنا هذه النعمة في أوج الانقسامات والخلافات، وتولدّ فينا طاقات هائلة. وبالطبع، هناك بعض أجزاء المجتمع التي لا تدرك مفهوم هذه النعمة، وفي تلك الأجزاء، لا يعتبر التاريخ نقاشاً مشتركاً بشأن كيفية البحث عن مُثُل مشتركة، وإنما عبارة عن صراع «صفري» على السلطة بين القامع والمقموع، وأميركا ليست مكاناً مميزاً وخاصاً، لكنها مجرّد بلد آخر يسحق فيه الأقوياء المستضعفين. وهذا المنظور أداة تربوية يمكن تفهمها، وهي طريقة لتوضيح وقع الظلم وانعدام المساواة للطلاب، لكن مثلما زعم عدد من الكتاب، ومن بينهم «فويبي مالتز بوفي»، «إن هذا الشعور بالنقمة لن يفضي على الإطلاق إلى أي تغيير اجتماعي مثمر». وعادة ما يبدأ ذلك الإحساس بالنقمة بتبادل الاتهامات بين أطرف المجتمع بعدم احترام النعمة، ومن ثم ردود بأن فئة من المجتمع مهمشة لحساب فئة أخرى، وهو ما يفضي إلى حرب على الهوية في أعلى مستوياتها تقضي على حسن النية بين الجميع، ولا تؤدي حقيقة إلى أي تغيير مجتمعي. ولعل هذه ممارسة مثالية في عصر وسائل التواصل الاجتماعي لأن كل ما يحدث يكون على الملأ، والنتيجة هي حالة من الجدال المسبب للشقاق، الذي يترك الجميع يشعرون بالإهانة والتفوق الأخلاقي. ومسيرة يوم السبت ذكرتني بأنه لا يزال من الممكن ممارسة نمط من السياسة لا ينحدر بنا إلى «سيكودراما» الاتهامات المضادة. ومثلما قال «صامويل هنتنجتون»: «إن الحقيقة الأساسية للعقيدة الأميركية هي انعدام الثقة في مركزية السلطة، لذا فإن لحظات الشغف العقدي دائماً ما تكون حول انفتاح النظام السياسي، وتوسيع دائرة المشاركة، ولامركزية السلطة، وتكون حول مشاركة بعض الفئات التي كانت في السابق خارج النظام لتجد طريقها إلى الانخراط والشعور بالنعمة العظيمة لأنهم أميركيون». يُنشر بترتيب خاص مع خدمة«نيويورك تايمز»