يبدو أن لا جدوى من انتظار أن يتحول النقاش السياسي الدائر في الجزائر هذه الأيام من المهاترات وإشغال الرأي العام وأحداث الفتنة، إلى الحسم في القضايا المصيرية، ومتابعة الشأن المحلي والإقليمي والدولي، وذلك بعد أن شغل المجلس الشعبي الوطني، المواطنين بصراع سياسي، كشف عنه النقاش الدائر بين عز الدين ميهوبي وزير الثقافة، العضو القيادي في حزب «التجمع الوطني الديمقراطي» ــ بقيادة رئيس الحكومة أحمد أويحيى ــ ونواب الأحزاب الإسلامية، الذين شكلوا جبهة واحدة حين تعلق الأمر بـ«نافورة عين الفوارة» في مدينة سطيف، فما قصة تلك النافورة؟، ولماذا الصراع حول تأثير الحجر في مستقبل البلاد؟ «نافورة عين الفوارة».. منحوتة من الحجر الأبيض والمرمر، تُمثل جسد امرأة نصف عارية، وهي تقع على عين ماء طبيعية تُنْسَبُ إليها، تتوسط المنحوتة ساحة الاستقلال في مدينة سطيف، التي تبعد عن الجزائر العاصمة بـ 300 كلم، وتعتبر من أهم معالمها، والجدل السياسي الدائر اليوم خلفيَّته تباين وجهات نظر الناس حولها بين الموافقة والرفض، الأمر الذي لم يكن مطروحاً في الجزائر قبل السماح للتيار الإسلامي بدخول المجال السياسي. يعود تاريخ صنع النافور إلى شهر يوليو 1898 من طرف النحات الفرنسي الإيطالي الأصل فرنسيس سان فيدال، وقد عرضها خلال إقامة المعرض العالمي للمنحوتات بمتحف اللوفر الفرنسي، بمناسبة مرور 100 عام على بناء برج إيفل، وحين شاهدها الحاكم العسكري الفرنسي لمدينة سطيف، أُعجب، ومن ثم اقتناها، وأحضرها إلى سطيف، وتشكل المنحوتة جزءاً من تراث المدينة الحضاري. إذاً، تمثل النافورة عملاً فنياً، حافظ عليه الجزائريون برغم عداوتهم للاستعمار، بدليل أنهم حين خرجوا في التظاهرات مطالبين بالاستقلال في كل من: «قالمة، سطيف خراطة»، خلال أحداث 8 مايو 1945، والتي قتلت فيها فرنسا 45 ألف جزائري في يوم واحد، لم يُتٍلِفوا أو يُخربوا، أو حتى يعترضوا عن وجود تمثال المرأة العارية، لأنهم كانوا أصحاب فطرة سليمة، لم يلوثها فكر الجماعات الدينية. لقد بدأت الحرب على منحوتة عين الفوارة ـ المرأة نصف العارية ـ في 22 أبريل 1997، خلال العشرية السوداء، وذلك حين أقدمت مجموعة إرهابية على تفجير التمثال، باستخدام قنبلة، وضعت في أسفله فحطمته إلى أجزاءِ كثيرة، وهي عملية أثارت غضباً عارماً في المدينة، ودفع الأمر السلطات المحلية إلى ترميم التمثال في أقل من 24 ساعة، تحدياً للجماعات الإرهابية، وبتاريخ 18 ديسمبر الماضي (2017)، قام رجل بتخريب النصب بعد أن فشل الناس من منعه. ويأتي كل هذا على خلفية فتاوى وأفكار الجماعات الدينية ـ خاصة التيار السلفي ـ التي تعتبر التمثال «صنماً وشركاً بالله»، وذهب البعض إلى عدم جواز شرب الماء من تلك النافورة، لأن شرب الماء منها يتطلب الانحناء، في حين دعا أحد الشيوخ إلى تغطية المنحوتة وإلباسها «جبة سطايفية»، محاولة منه لإحقاق توازن بين تحريم المنحوتة والجسد المُصَوَّر وتراث المدينة. اليوم يطالب النواب الإسلاميون بنقل التمثال إلى المتحف، ورُفِض هذا من وزير الثقافة، بل إن أحد أعضاء حزبه ـ قال: «إن تخلي الدولة عن محاربة هذه الأفكار المتطرفة في نهاية الثمانينيات واحتجاز الإسلام من طرف بعض المغامرين، هو ما أدى بالجزائر إلى حرب أهلية»، وهكذا أدخل الإسلاميون الجزائر في حرب مع الآثار، وبدلاً من أن يناقش السياسيون القضايا المصيرية للبلاد، يتم إشغالهم اليوم بتمثال المرأة العارية، ولا مانع عندهم أن تتخلى بلادهم عن ذاكرتها التاريخية، وإيمان شعبها العميق.