خلال الأسبوعين الماضيين تناولنا حقائق عن «التوطين» وأهميته لدولة الإمارات العربية المتحدة، إضافة لبعض أبرز التحديات التي تواجه تطبيق استراتيجية وبرامج التوطين بالصورة المثلى. ونظراً لضرورة التوطين بهدف تسهيل توظيف شرائح عريضة من مواطني الدولة في مختلف قطاعات العمل في الدولة، نورد بعض المقترحات لضمان نجاح وفاعلية سياسة التوطين. من أهم متطلبات رسم السياسات ونجاحها توافر المعلومات والإحصائيات الدقيقة والحديثة، ولذلك فإن إصدار تقارير دورية تتضمن أعداد خريجي التعليم العالي بصورة سنوية بجانب توقعات تلك الأعداد خلال السنوات الخمس اللاحقة سوف يمنح الباحثين ومراكز الدراسات والبحوث الحكومية والخاصة الفرصة للمساهمة في دراسة احتياجات سوق العمل من الخريجين بصورة علمية، ودعم برامج وسياسات التوطين بأسلوب منهجي. أضف إلى ذلك ضرورة إعداد تقرير شهري بالشواغر الوظيفية المتوافرة في سوق العمل، وتحديداً في القطاع الخاص، وتوزيعها حسب الموقع الجغرافي ونوع الوظيفة ومميزاتها ومتطلبات التوظيف بجانب حجم الوظائف التي تم شغلها من قبل المواطنين، مما يعكس صورة مثالية لأوضاع سوق العمل للمواطنين، ويساهم أيضاً في بث روح التفاؤل والطمأنينة بين شرائح المواطنين الباحثين عن عمل. ومن جانب آخر هناك حاجة لتكثيف تنظيم الحملات المفتوحة والمباشرة مع أصحاب الأعمال في القطاع الخاص، حيث يتم خلالها نشر الوعي حول أهمية التوطين في الحفاظ على استقرار سوق العمل، وبأن التوطين لا يهدف إلحاق الضرر برؤوس أموال المستثمرين، وإنما هو عامل أساسي في زيادة فرص الأمان لتلك الاستثمارات، وخاصة أن من يساهم من أصحاب الأعمال في زيادة نسب التوطين، قد يلقى معاملة تفضيلية من الحكومة وليس من وزارة الموارد البشرية والتوطين فقط. وقد يكون من الضروري فرض التوطين في وظائف محددة ذات طبيعة حيوية وخاصة، حيث لا يتم قبول إلا طلبات توظيف المواطنين فيها، ما يساهم في تطوير المهارات والخبرات الوطنية في تلك الوظائف. وبالنسبة لمخرجات التعليم العالي، فالملاحظ أن دولة الإمارات تحتضن ما يزيد على سبعين مؤسسة تعليم عالي لا تقوم بدراسة احتياجات سوق العمل وربط مخرجاتها بتلك الاحتياجات سوى ثلاث منها فقط هي جامعة الإمارات العربية المتحدة وجامعة زايد وكليات التقنية العليا. وتثبت تلك المؤسسات الثلاث مدى الجهود الحكومية الضخمة التي تبذلها الدولة لإعداد وتأهيل المواطنين بالصورة المثلى لسوق العمل ومتغيراته مع غياب دور ملحوظ لغالبية مؤسسات التعليم العالي الخاصة في توحيد جهودها مع جهود مثيلاتها الحكومية بهدف تزويد الطلبة المواطنين بالمهارات المطلوبة لسوق العمل. وبالتالي أعتقد أنه أصبح لزاماً علينا توحيد الجهود والسياسات بين كافة مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة في تزويد الطلبة المواطنين بالمهارات المطلوبة لسوق العمل. أما فيما يتعلق بأوضاع المواطنين في القطاع الخاص، فأعتقد أن الجهود الرامية لتكثيف توظيفهم في القطاع الخاص واضحة وقوية وملموسة بصورة تكاد تكون شهرية، ولكن الأمر الأهم هو ضمان استمرار هؤلاء المواطنين في مواقع العمل لأطول فترة ممكنة من خلال التواصل المستمر معهم، والإرشاد المهني والمشاركة مع القطاع الخاص في تطوير مهارات هؤلاء المواطنين وهم على رأس العمل من دون تحميل صاحب العمل أي رسوم، والحرص على وجود بيئة عمل جاذبة وليست طاردة للمواطن، مع اتخاذ إجراءات صارمة ومشددة بحق جهات العمل، التي تقوم بإنهاء خدمات المواطن خلال فترة التجربة وهي ست شهور أو يُثبت أن المواطن قد تلقى معاملة غير لائقة بهدف إجباره على تقديم الاستقالة أو إنهاء خدماته. وأخيراً أرى ضرورة قيام المجلس الوطني الاتحادي بإجراء مناقشة شهرية لإجراءات توظيف المواطنين، ومتابعة أوضاعهم في القطاع الخاص مما سيوفر بيئة خصبة لتبادل الآراء بين المجلس والجهات الحكومية المعنية بما يحقق المصلحة الوطنية العليا، وهي نجاح استراتيجية التوطين.