في يوم الإثنين 26 مارس وقف العقيد أوري مندس، نائب رئيس الإدارة المدنية للأرض المحتلة، أمام لجنة الشؤون الخارجية والأمن بالكنيست، ليقدم بيانا مقلقا حول تفوق عدد السكان الفلسطينيين على عدد السكان اليهود في أرض فلسطين التاريخية الممتدة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط. أثارت البيانات التي قدمها العقيد جدلا بين القوى السياسية اليهودية. قال مندس إن عدد السكان الفلسطينيين في الضفة وغزة يبلغ خمسة ملايين وأن هذا العدد لا يشمل الفلسطينيين المقيمين في القدس كما أنه لا يشمل عرب 1948 الذين يبلغ عددهم طبقا لبيانات مكتب الإحصاء المركزي الفلسطيني مليونا وثمانمائة ألف شخص. وفي مقابل هذا حدد نفس المكتب عدد اليهود المقيمين في إسرائيل عام 2017 بستة ملايين ونصف المليون يهودي. معنى هذا أن عدد الفلسطينيين يصل إلى ستة ملايين وثمانمائة ألف ويزيد على عدد اليهود بثلاثمائة ألف. لقد تعرض العقيد مندس لهجوم شديد من أعضاء الكنيست المنتمين لليمين والذين شككوا في بياناته لأن هذه البيانات تعني أنه في حالة ضم الأرض المحتلة إلى إسرائيل كما يريد اليمين، فإن الغالبية السكانية في دولة «إسرائيل الكبرى» ستكون أغلبية عربية وهو ما يهدد طابع الحكم في الدولة إذا تم منح العرب حق الانتخاب. طعن النواب اليمينيون في تقرير مندس قائلين إنه يعتمد على بيانات المكتب المركزي الفلسطيني للإحصاء، وطالبوا بتقديم وثيقة من جهة إحصائية إسرائيلية تثبت ما يقوله مندس. لقد فتحت هذه البيانات جدلا سياسياً بين أقطاب اليمين المؤمنين بهدف ضم الضفة الغربية، والذين راحوا يشككون في هذه الإحصائيات، لما تمثله من تهديد لحلمهم، وبين أقطاب اليسار المنادين بضرورة الانفصال عن الفلسطينيين عن طريق حل الدولتين وإقامة دولة للفلسطينيين بجوار إسرائيل. ومن جانب اليسار قال زعيم حزب المعسكر الصهيوني آفي جاباي إن المعنى الناتج عن البيانات يفيد بأن هناك خمسة ملايين فلسطيني ثابتين على الأرض ولن يذهبوا إلى مكان آخر وبالتالي فإن علينا أن نتحمل مسؤولية الانفصال عنهم. أما تسيبي لفني، زعيمة حزب الحركة، فحذرت من حلم ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل لأنه سيعني أن تفقد الدولة الإسرائيلية غالبيتها اليهودية. وأضافت ليفني إن على إسرائيل إذن أن تزيح وهم الدولة الواحدة وأن تركز على حل الدولتين. لقد كانت حرب السكان محوراً رئيسياً للتفكير الصهيوني منذ تبلور المشروع الصهيوني على أيدى تيودور هرتزل في نهاية القرن التاسع عشر وكان الوجود العربي السكاني الكثيف الذي كان يتجاوز عدده الستمائة ألف فلسطيني مع مطلع القرن العشرين محل تفكير مكثف من قادة الحركة الصهيونية. كان الهدف هو تحويل العرب إلى أقلية سكانية وتحويل اليهود إلى أغلبية، وهو أمر لم يتحقق سوى بتطبيق وسائل التشريد القسري والمذابح التي تثير الذعر بين السكان المدنيين العرب في حرب 1948 بقصد إرغامهم على مغادرة فلسطين على غرار مذبحة دير ياسين الشهيرة. السؤال الذي يجب ألا نغفل عنه هو: هل تعود حرب السكان مرة أخرى، خصوصاً أن اليمين الإسرائيلي يحلم في الحد الأقصى بضم الضفة الغربية وتفريغها من سكانها العرب ليحل محلهم مستوطنون يهود كما سبق وحدث منذ سبعين عاماً؟