كان «بوب هول» مالكاً لمزرعة مواش. وفي عام 1996، وأثناء فترة الكساد، أصيب بمرض السرطان، ونتيجة لذلك تضاءلت مزرعته حتى أصبحت تقريباً لا شيء، وبعد أسابيع من حصول أصحاب البنوك على آخر جزء من ماشيته، توفي «هول» تاركاً عائلته وهي غارقة في الديون. وتوسل أبناؤه لأي شخص يجدونه للحصول على قرض وإنقاذ مزرعة الأسرة، بيد أنهم لم يتمكنوا من ذلك. وفي النهاية، ذهبوا، وهم في حالة من اليأس، إلى جارهم «باز نيوتن»، الذي كان معروفاً ببخله، وطلبوا منه مشاركتهم في التوقيع على قرض. وقال نيوتن «كنت أفكر دائماً في والدكم، لقد كان سخياً للغاية. نعم، سأشارك في التوقيع على القرض». واستخلص «روبرت هول»، حفيد بوب هول، الدرس في كتابه «أرض الغرباء»، مشيرا إلى أن «الحقيقة هي أن العلاقات هي أكثر الموارد قيمة في أي مجتمع. إنها شريان الحياة لدينا من أجل البقاء والنمو والازدهار». هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن نوعية علاقاتنا في تراجع مستمر منذ عقود. ففي ثمانينيات القرن الماضي، قال 20% من الأميركيين إنهم غالبا يعيشون في وحدة. والآن زادت هذه النسبة إلى 40%. وبلغت معدلات الانتحار أعلى نسبة لها خلال 30 عاما، بينما ارتفعت معدلات الإصابة بالاكتئاب عشرة أضعاف منذ عام 1960، وهذا ليس فقط نتيجة لتغطية الأحداث بشكل أكبر. فمعظم الأطفال يولدون لأمهات دون سن الثلاثين وخارج نطاق الزواج. وهناك انخفاض مطرد منذ 30 عاماً في رضا الأميركيين عن العلاقات بين الأقران في العمل. وقد لخص الجراح السابق الجنرال «فيفيك مورثي» تجربته كطبيب في مقال نشره في شهر سبتمبر في مجلة «هارفارد بيزنس»: «خلال سنوات عملي في العناية بالمرضى، كانت أكثر الأمراض شيوعا التي صادفتها ليست هي أمراض القلب أو السكري، بل بالأحرى الوحدة». لقد كان من الأسباب التي تجعل المرضى يأتون لزيارته هو شعورهم بالوحدة، ولأن وحدتهم هي التي جعلتهم يشعرون بالمرض. وقال إن العلاقات الاجتماعية الضعيفة لها آثار صحية تشبه آثار تدخين 15 سيجارة يومياً، وتأثير سلبي أكبر من تأثير الإصابة بالسمنة. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، ازدادت هذه الاتجاهات سوءاً. ففي عام 2012، كان 5.9% من الشباب يعانون مشاكل عقلية حادة، وارتفعت هذه النسبة إلى 8.2% في عام 2015. وفي العام الماضي، كتب «جين توينج» مقالاً نوقش كثيراً لمجلة «ذي أتلانتيك» بعنوان، «هل دمرت الهواتف الذكية جيلاً»، مشيراً إلى الانهيار الاجتماعي المتسارع. وقال إن المراهقين أصبحوا فجأة أقل ميلاً لتحديد مواعيد غرامية وأقل ميلاً لترك المنزل من دون آبائهم، وأكثر ميلاً لتأجيل أنشطة فترة المراهقة. وكلما أمضوا وقتا أطول بمفردهم مع شاشاتهم الرقمية كلما ازدادوا تعاسة. أما طلاب الصف الثامن الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، فقد أصبحوا أكثر عرضة للاكتئاب بنسبة 27%. إنني ألخص كل هذا لأن الوحدة والعزلة الاجتماعية هي المشاكل التي تعزز الكثير من مشاكلنا الأخرى. هناك المزيد من الأميركيين الفقراء اجتماعياً. ومع ذلك فمن الصعب للغاية بالنسبة للأغنياء اجتماعياً أن يرون هذه الحقيقة. هذا لأن من طبيعة الوحدة والعزلة الاجتماعية أنها لا تكون مرئية. إننا نتحدث كما لو كان هؤلاء الذين يشعرون بالوحدة غير موجودين. وقد صدمني هذا كثيرا في الأسبوع الماضي، عندما جاء «مارك زوكربيرج» إلى واشنطن. ومعظم الأسئلة التي واجهها خلال جلسات الاستماع في الكونجرس ومعظم التحليلات التي عرضتها الصحف كانت تدور حول فشل شركة «فيسبوك» في حماية الخصوصية. هذا هو الشيء الذي يتبادر إلى ذهنك إذا كنت من الأغنياء اجتماعياً، وإذا كنت، مثل معظم السياسيين والمحللين الناجحين، تعيش في شبكة كثيفة من الاتصالات وتشعر كما لو كان جدولك الاجتماعي مزدحماً للغاية. بيد أن القضية الكبيرة المحيطة بـ«فيسبوك» ليست هي الخصوصية. بل القضية هي أن شركة «فيسبوك» وغيرها من شركات التواصل الاجتماعي تغذي هذا الوباء من الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية. ولا تتعلق القضية فقط بأن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كثيف هم أكثر حزناً. ولا تتعلق القضية كذلك بأن الحياة على الانترنت يبدو وكأنها تزيد من المقارنات المؤلمة وأنها تضخم وتهدد الأنا. إن القضية هي أن مستخدمي الانترنت بكثافة يكونون أقل ميلاً للتواصل مع جيرانهم لتبادل الخدمات وتوسيع نطاق الرعاية. هناك شيء كبير يحدث للهيكل الاجتماعي للأحياء. يلاحظ عالم الإنسانيات البريطاني «روبن دونبار» أن هناك ثلاثة مستويات من المجتمعات الإنسانية: العشيرة (عائلتك وأصدقاؤك المقربون)، والقرية (المجتمع المحلي الذي تعيش فيه) والقبيلة (جماعتك الأكبر). وفي أميركا اليوم، قد تقول إن العشائر قد استقطبت والقرى دمرت والقبائل أصبحت مسلحة. إن الهجرة الجماعية إلى الحياة على الانترنت ليست هي القوة الوحيدة التي تقود هذه الاتجاهات، بل هي قوة أكبر. ومثل هذه الموضوعات لم تظهر في جلسات الاستماع لـ«زوكربيرج» لأن الأشخاص الأغنياء اجتماعياً وهؤلاء الفقراء اجتماعياً يخوضون تجربة «فيسبوك» بشكل مختلف ويرون الحقيقة والمشاكل الاجتماعية بشكل مختلف. والحقيقة هي أن الكثيرين منا ممن هم أغنياء اجتماعياً لا يعرفون في الواقع كيف يعيش غيرهم في النصف الأخر من المجتمع. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»