تشهد هافانا الآن نهاية عصر سابق وبداية عصر جديد. ويوم الأربعاء الماضي، عقدت الجمعية الوطنية الكوبية (البرلمان) جلسة طارئة للتحضير لتنازل الرئيس راؤول كاسترو عن منصبه لنائبه الأول «ميجيل دياز كانيل». ويمكن لهذا التطور أن يمهّد الطريق أمام تغيرات حاسمة ومدهشة في المشهد السياسي الكوبي. وذلك لأن «دياز كانيل» سيكون أول رئيس يحكم هذه الدولة الكاريبية لا ينتمي لأسرة كاسترو منذ استولت الثورة الماركسية على مقاليد الحكم في هافانا قبل نحو ستة عقود. وسيحتفظ راؤول كاسترو الذي بلغ عامه السادس والثمانين، بمنصب رئيس الحزب الشيوعي الكوبي على الرغم من تقدمه في السن. وكان شقيقه الشهير «فيدل كاسترو» مهندس النظام الذي تمكن من الصمود في وجه الحصار الأميركي لعدة عقود، قد تخلى عن السلطة لصالح راؤول عام 2008 وتوفي قبل عامين. وبالرغم من أن صعود النجم السياسي لـ«دياز كانيل» حظي باهتمام إعلامي واسع النطاق منذ عدة أشهر، إلا أنه قد ينطوي أيضاً على تطورات مفاجئة محفوفة بالمخاطر. وقال فلاح عجوز في معرض تعليقه على هذا التطور: «بالنسبة لي، لا يمكنني أن أتصور عهداً من دون فيدل أو راؤول لأن ذلك يخرج عن نطاق فهمي وتصوري للأمور. وحتى لو خسرناهما معاً، فإنني أشعر أننا نحتاج للالتزام بأفكارهما». وقال المعارض الكوبي «ميجيل سافيدرا»، وهو رئيس رابطة الكوبيين في المهجر بمدينة ميامي: «نحن نشهد الآن اليوم الذي اختارت فيه أسرة كاسترو تنصيب زعيم جديد مكلف بارتكاب المزيد من الجرائم. ويمكنني القول إن مستقبل الشعب الكوبي لا يزال مظلماً ومثيراً للقلق طالما بقيت أسرة كاسترو في السلطة». ويتفق مع هذه النظرة للأمور العديد من «الجمهوريين» في واشنطن إلى جانب «الصقور» في إدارة ترامب. وخلال ما يقارب العام، اتخذ الرئيس ترامب عدة قرارات لمعاكسة الخطوات المهمة التي سبق أن اتخذها الرئيس باراك أوباما للتطبيع مع كوبا، وبدأ تطبيقها بالفعل. وقام أوباما بزيارة إلى كوبا عام 2016 وألقى من هناك خطاباً تابعه الملايين. وكان يرافقه فريق ضخم من كبار السياسيين ومصممي الأزياء والمديرين التنفيذيين للشركات وألوف السياح الذين تقاطروا إلى كوبا تزامنا مع الزيارة وبما خلق الأمل أمام القطاع الخاص المحلي المهترئ لاستعادة أنفاسه. ولكن، وبعد نشوب أزمة دبلوماسية بين الولايات المتحدة وكوبا بسبب ما يعرف بـ«الهجمات الصحية» الكوبية لعام 2017، أمر الرئيس ترامب بطرد الدبلوماسيين الكوبيين من أميركا وسحب الفريق الدبلوماسي الأميركي من هافانا. واتخذت إدارته إجراءات أخرى تهدف للحد من تدفق السياح الأميركيين إلى كوبا وصعّدت من حدّة الخطاب المناوئ للنظام الكوبي. ويرى منتقدو النظام الكوبي أن انفتاح أوباما على كوبا لم يسفر عن أي تغيّر يستحق الذكر في سلوكيات النظام الكوبي التعسفي. وقالوا أيضاً إن التقدم في مجال تحقيق التقارب بين البلدين سيكون بطيئاً ومجتزأ. وقال المحلل «تيد بيكون» الباحث في معهد «بروكينجز»: «توحي هذه الإجراءات الجديدة بالعودة القوية للفريق المؤيد لاستمرار الحصار على كوبا، والذي يقوده السيناتور ماركو روبيو. والآن، وبعد تعيين صاحبي الخط الأكثر تشدداً جون بولتون ومايك بومبيو في أعلى المناصب الأمنية الأميركية، يمكننا أن نتوقع من البيت الأبيض أن يعزز معاقبته للنظام الكوبي». ويمكن أن يكون لهذا الوضع غير المشجع تأثيره المحبط على كوبا. وربما يمنح أصحاب الخط المتشدد في الحزب الشيوعي الكوبي دفعة قوية للعودة إلى الساحة وخاصة بسبب المخاوف التي تنتابهم منذ ظهور موجة التحرر التي أرادها أوباما لكوبا. وكان الرئيس راؤول كاسترو قد قال العام الماضي: «يمكن لكوبا والولايات المتحدة أن تتعاونا، وأن تعيشا جنباً إلى جنب مع احترام الاختلافات القائمة بينهما. ولكن، لا يمكن لأحد أن يتوقع منا أن نقدم تنازلات كبرى على حساب سيادتنا واستقلالنا». ومنذ ذلك الوقت، تراجعت الحكومة الكوبية عن جهودها التي كانت تهدف لتنمية القطاع الخاص وأوقفت إصدار تراخيص إنشاء الشركات الخاصة بشكل مؤقت بدعوى أن الأمر يتطلب المزيد من الوقت للتأكد من أن الشركات الجديدة ستدفع الضرائب وتعمل في ظل القوانين النافذة. وينتمي «دياز كانيل» الذي بلغ عامه السابع والخمسين، إلى جيل السياسيين الذين لم يعاصروا ثوار الأدغال الماركسيين الشيوعيين الذين كان يقودهم فيدل كاسترو وتشي جيفارا أو غيرهما ممن عايشوا أحداث الثورة الكوبية. وبدأ نجمه السياسي في الصعود في عقد التسعينيات على خلفية الكارثة الاقتصادية التي عصفت بكوبا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وبدا وكأنه رجل يجمع بين البراجماتية والعمل على الاستفادة من الثورة التكنولوجية. ومع ذلك، فإن هناك من يعتقد أن سعيه للفوز بالرئاسة ليس إلا أحد مظاهر تقرّبه من النظام القائم. ويواجه «دياز كونيل» ضغوطاً شديدة للتمسك بالأسس التي يقوم عليها النظام الاقتصادي الكوبي المتدهور الذي لا يمكنه الاعتماد بعد الآن على المساعدات المجانية التي كانت تأتيه من فنزويلا أيام هوجو شافيز. وعليه الآن أن يطلق حملة متكاملة للإصلاح المالي وتشجيع الاستثمارات الخارجية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»