تبدو الانتخابات البرلمانية العراقية فريدة من نوعها، إذ يبدو أن حزب «الدعوة الإسلامية» المتصدر للمشهد السياسي في العراق منذ عام 2005 اختار أن ينافس نفسه، فالحزب سيدخل الانتخابات المقررة في 12 مايو القادم بقائمتين منفصلتين بعد أن أعلن انسحابه من الانتخابات بشكل مباشر في 13 يناير 2018، حيث اتفقت قيادات حزب «الدعوة» العراقي على أن يقود رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي قائمة «النصر والإصلاح»، بينما يقود رئيس الوزراء السابق نوري المالكي قائمة «ائتلاف دولة القانون» كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة من حزب «الدعوة» للإشراف على التحالفين. وعليه ستنحصر المنافسة بين شخصيتين رئيسيتين من حزب واحد، وهما رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مع نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي، وعندها لا يهم من سيكون رئيس الوزراء العراقي بينهما، فحزب «الدعوة» هو الفائز في كل الأحوال. تأسس حزب «الدعوة» في 12 ديسمبر عام 1957. وعقد أول اجتماع في كربلاء، حيث وضعت اللبنات الأساسية له بحضور مراجع شيعية مثل محمد باقر الصدر ومرتضى العسكري ومهدي الحكيم، ويتربع «حزب الدعوة الإسلامية» الشيعي والمقرب من إيران منذ عام 2005 على السلطة في العراق، كأول حزب شيعي يحكم بلداً عربياً، فبعد الغزو الأميركي للعراق، عاد الحزب للبروز على الساحة السياسية، ولكن تاريخياً عرف عنه عدم وجود زعيم محدد، فالقيادة دائماً جماعية مع وجود ناطق رسمي عن الحزب، وكان إبراهيم الجعفري آخر من شغل هذا المنصب، وفي عام 2003 تسلم الجعفري رئاسة أول شهر في مجلس الحكم الذي شكله الحاكم الأميركي المدني، بول بريمر، إذ كانت رئاسة المجلس دورية تعاقبت عليها 12 شخصية. وشارك «حزب الدعوة الإسلامية» في الانتخابات العراقية عام 2005 ضمن تحالف ضم مجموعة أحزاب شيعية، وتولى الجعفري رئاسة الحكومة العراقية المؤقتة ولعام واحد، ومن ثم تسلم رئاسة الوزراء الأمين العام لـ«حزب الدعوة»، نوري المالكي، الذي حكم العراق بين 2006 و2014، وخلال هذه المرحلة جمع نوري المالكي بين رئاسة الوزراء والأمانة العامة للحزب ورئاسة «ائتلاف دولة القانون» الذي يضم «حزب الدعوة» والكتل الحليفة لها، ومن ثم بعدها اضطر المالكي للتخلي عن رئاسة الوزراء تحت ضغوط إقليمية ودولية، فاختير حيدر العبادي، وهو قيادي في «الدعوة» أيضاً، ليكون رئيساً للحكومة العراقية. اليوم رغم تعقد المشهد العراقي ظاهريا إلا أن الأمر شبه المؤكد أن «حزب الدعوة» سيبقى في السلطة بعد أن دخل الانتخابات بقائمتين، إحداهما للمالكي والأخرى للعبادي، وكلتا القائمتين تحظى بتأييد طيف واسع من الجماهير «الشيعية» ففي حديث صحفي نشر في 25 ديسمبر 2017 صرح القيادي في حزب «الدعوة» جاسم محمد جعفر بأن «حزب الدعوة سيحصل على الولاية الخامسة والسادسة ويبقي على حكم العراق إلى يوم القيامة، بإرادة الناس ومرجعية النجف والدعم الإيراني» قائلاً: «حتى آخر لحظة العبادي كان يريد المالكي قبل أن يحصل الأول على رئاسة الوزراء»، مؤكداً «لا يوجد أي انشقاق في حزب الدعوة، وداخل الحزب لا توجد أي مشكلة والخلاف خلاف حكومي فقط وأن المالكي عندما حصل على عدد كبير من الأصوات، حصل عليها كزعيم لحزب «الدعوة»، والآن لدينا زعيمان وبذلك سنحصل على أصوات إضافية أكبر». في المحصلة الانتخابات العراقية لاتعدو أن تكون اتفاقاً داخل أروقة «حزب الدعوة» للحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية عبر خوض الانتخابات عن طريق أكثر من تكتل انتخابي في تلاعب جلي بالناخب العراقي، بالتالي سيكون هذا الحزب هو الرابح الأزلي في هذه الانتخابات. أما الحديث عن وجود انشقاق سياسي في الحزب، فهو لا يعدو أن يكون من باب الأمنيات غير الواقعية، فحزب «الدعوة» وصل للسلطة، ولن يتخلى عنها «حتى يوم القيامة».