يقترب سعر النفط من 80 دولاراً للبرميل وفق توقعات بنك «جولدمان ساكس»، وذلك بعد أن تم سحب معظم الفائض من الأسواق وانخفض مخزون النفط الأميركي إلى معدلات متدنية جداً بفضل استمرار تحسن الأسعار، والذي ظل متواصلاً بثبات منذ الربع الأخير من العام الماضي 2017 وحتى الوقت الحاضر، وهي فترة كفيلة بترك انعكاسات إيجابية مؤثرة على الأوضاع الاقتصادية في البلدان المنتجة، إلا أن تلك الانعكاسات كانت محدودة للغاية، وهو أمر بحاجة لدراسة خاصة بكل دولة، إذ أن الأسباب تتعدد وتتفاوت بين دولة وأخرى، وذلك برغم وجود مسببات مشتركة تتعلق بترسبات فترة الانخفاض الحاد التي شهدتها أسعار النفط في السنوات الماضية من جهة، وبالتطورات الجيو- سياسية في المنطقة والعالم من جهة أخرى. هناك مسألة مهمة تميز هذه الفترة من الارتفاعات في أسعار النفط تختلف عن الفترات السابقة خلال العقود الماضية، وهي أن هناك فرقاً بين نسبة ارتفاع الأسعار ونسبة الالتزامات المالية الكبيرة للعديد من البلدان المنتجة، والتي عانت من عجوزات في الموازنات العامة، وأصدرت أدوات دين متتالية لتلبية نفقاتها التنموية والجارية، مما حد من ضخ أموال مؤثرة في أسواقها المحلية، وهي نقطة جوهرية توضح محدودية الانعكاسات الإيجابية على الأوضاع الاقتصادية العامة حتى الآن من جراء ارتفاع الأسعار. يعني ذلك أن عائدات النفط الإضافية ستوجه بصورة أساسية لتغطية العجوزات في الموازنات العامة، وتسديد بعض الالتزامات المالية المترتبة على هذه الدول، وهو ما سيقوي من أوضاعها المالية برغم تواضع حجم السيولة الجديدة المتوقع ضخها في الأسواق. وكمثال على ذلك، أعلنت وكالة التصنيف الائتماني «موديز» عن قدرة روسيا على التعامل بنجاح مع العقوبات الجديدة التي فرضتها عليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث يرجع الفضل الأول في ذلك إلى ارتفاع عائدات روسيا من النفط بنسبة كبيرة تتيح لها سهولة التعامل في الأسواق الدولية وتنويع تجارتها الخارجية. أما معظم البلدان العربية المنتجة للنفط، فإنه ينطبق عليها ما قيل آنفاً حول توجهها لتقليص العجز في الموازنات العامة وتسديد بعض الالتزامات المالية، في حين أن هناك دولاً أخرى، كإيران وقطر لن تستفيد كثيراً من ارتفاع عائداتها النفطية، وذلك بسبب التزاماتها خارج الحدود والخاصة بتمويل مختلف المليشيات والمنظمات المتطرفة، مما يؤثر سلباً على اقتصاداتها، وهو ما يمكن ملاحظته بوضوح عند تحليل المؤشرات الاقتصادية العامه لهذين البلدين، فالاقتصاد الإيراني يعاني من صعوبات متفاقمة وفساد ومن انهيار عام للعملة الإيرانية، وذلك برغم الارتفاع الكبير في عائداتها النفطية. في حين يلتهم الفساد جزءاً كبيراً من عائدات النفط في كل من العراق وفنزويلا ونيجيريا، مما يعني محدودية استفادة اقتصادات هذه البلدان من جراء ارتفاع أسعار النفط. في المقابل رفعت وكالات التصيف الائتماني، بما فيها «موديز» التوقعات الخاصة بنسب النمو في كل من الإمارات والسعودية للعام الجاري والقادم، وذلك بفضل السياسات الاقتصادية المتبعة وبرامج التنمية الطموحة. هذه هي الأوضاع حتى اللحظة، إلا أن استمرار مستويات الأسعار عند معدلاتها المرتفعة في الفترة المقبلة، كما هو متوقع سيساهم في تغيير الصورة الحالية، وبالأخص في البلدان المزدهرة اقتصادياً، كدول الخليج العربية، حيث ستتمكن من ضخ سيولة إضافية في أسواقها، وستعلن عن تنفيذ مشاريع تنموية جديدة وإعادة بعض المشاريع التي تم تجميدها في فترة انخفاض الأسعار، وهو ما سينعكس على نسب النمو الاقتصادي في هذه البلدان في الأعوام القليلة المقبلة، كما تشير إلى ذلك بصورة صحيحة العديد من التوقعات، في الوقت الذي ستستمر معاناة الدول الأخرى التي أقحمت نفسها في متاهات وتمويل مليشيات وصراعات إقليمية مكلفة على حساب مستويات شعوبها المعيشية ونموها المستقبلي.