ربما تكون إسرائيل قد أصبحت قلعة قوية بعد سبعين سنة من عام 1948 حيث تم إنشاؤها لكنها لم تصبح بعد بيتاً لهم ولن تكون بيتا إلا إذا أصبح للفلسطينين بدورهم بيت. هذا المعنى المتوازن عبر عنه الأديب الإسرائيلي دافيد جروسمان في مظاهرة عربية يهودية مشتركة قام بها حوالي ستة آلاف إسرائيلي وعربي في تل آبيب يوم ذكرى إقامة إسرائيل بالتقويم العبري والتي هي ذكرى تشريد الفلسطينيين. إن هذا الأديب الذي أنضج مشاعره الإنسانية حزنه على ابنه الذي قتل في حرب لبنان الثانية أصبح يدرك الحقيقة التاريخية وهي أن الوطن الآمن والبيت الآمن مرهونان بحل مأساة الفلسطينيين الذين دفعوا ثمناً باهظاً لقيام دولة إسرائيل وتحولوا إلى لاجئين مشردين بلا بيت يؤويهم ولا وطن يضمهم. الرجل يقول للإسرائيليين ما نقوله نحن العرب عندما نطرح مبادرة السلام العربية المعتمدة من قمم الملوك والرؤساء في إطار خيار السلام الاستراتيجي الذي يطالب الإسرائيليين بالانسحاب من الضفة الغربية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة لينعم الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني بالبيت الآمن بعيداً عن الصراع الدامي. إن لمنطق السلام مداخل عديدة منها الذي يمكن الوصول إليه بالقياس العقلي وهو قياس يقول إن اليأس لدى المظلوم مفتاح للانفجار. انظر إلى الفلسطينيين اللاجئين الذين يعرضون صدورهم لرصاص القناصة الإسرائيليين على حدود غزة وهم يمسكون بمفاتيح بيوتهم التي استولى عليها إسرائيليون ويتقدمون كل يوم جمعة للمشاركة السلمية في مسيرة العودة الكبرى التي تكتمل في منتصف مايو. إنهم يفعلون هذا بعد سبعين عاماً من التشرد ولسان حالهم يقول إنهم يفضلون الموت برصاص الإسرائيليين وهم يتظاهرون سلمياً على حياة التشرد بلا وطن، وهو أمر يستدعي من المجتمع الدولي أن يتحرك لحل مأساتهم. لقد توصل الأديب الإسرائيلي جروسمان إلى منطق السلام العادل من مدخل إحساسه بالحزن كأب فقد ابنه في الحرب فانتبه إلى أحزان الفلسطينيين الناتجة عن تعرضهم للقتل والتشريد بل والعقاب بالرصاص الحي لمجرد تفكيرهم في التظاهر السلمي طلباً لحق العودة إلى بيوتهم. لقد أعلن جروسمان في مظاهرة تل أبيب أنه سيتبرع بنصف جائزة إسرائيل الأدبية التي حصل عليها إلى منتدى العائلات الثكلى من الإسرائيليين والفلسطينيين تعبيراً عن إحساسه بأن المأساة الفلسطينية تنتج أحزاناً على الجانبين. إن كثيراً من المثقفين الفلسطينيين يتجاوبون مع دعوة جروسمان بطبيعة الحال باعتبارهم الطرف المجني عليه. وهناك أيضاً مثقفون إسرائيليون شاركوا في مظاهرة تل أبيب يحملون نفس الرسالة، وهذه ظاهرة إيجابية لمصلحة السلام علينا أن نهتم برصدها ودعمها إذا أمكننا، ليعود معسكر السلام الإسرائيلي إلى سابق قوته التي بلغت ذروتها في التسعينيات عندما استطاع هذا المعسكر بقيادة رابين أن يتوصل مع الفلسطينيين إلى اتفاقية أوسلو. من ناحية ثانية علينا أن نعترف بأن المد اليميني القائم على الأطماع في الضفة الغربية، والفخر -كما يفعل وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان- بقدرة القناص الإسرائيلي على قتل شاب عربي يتظاهر سلمياً على حدود غزة، قد أصبح مداً مرتفعا لدرجة أن مظاهرة تل أبيب التي شارك فيها جروسمان قد تعرضت للشتائم وحرق العلم الفلسطيني وتهديد المشاركين فيها بالقتل من جانب أنصار اليمين.