صنع تنظيم «داعش» الإرهابي مصطلحاته المحملة بمجازات دالة على توحشه، ومقاصده التدميرية عبر إزاحة سلطة الدولة الوطنية القائمة. وهناك أربعة مصطلحات أساسية منسوبة إلى هذا التنظيم الخطير يمكن ذكرها على النحو التالي: 1 ـ دولة الظل: أخذ هذا الاصطلاح ذيوعاً إثر الهزائم التي تعرض لها تنظيم «داعش» في سوريا والعراق. ففي تقرير استراتيجي صدر عن مركز «جين» لدراسات الإرهاب، إن داعش يمكنه أن يبني «دولة ظل» محافظاً على هيكله السابق في المناطق التي خسرها، بعد أن يتحول إلى جماعة مسلحة غير مركزية، بوسعها شن هجمات متفرقة، عبر حرب عصابات، على قوات الأمن في سوريا والعراق، وبذا يمارس نوعاً من السلطة في بعض المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومتين المركزيتين في دمشق وبغداد. لكن الاصطلاح أخذ معنى أوسع من خلال ما تناوله البعض عن قدرة الأجهزة الأمنية في نظم الحكم التسلطية على التدخل الواسع في تسيير دفة الأمور في الدولة، خارج السلطات الثلاث الرسمية، التنفيذية والتشريعية والقضائية، لاسيما مع تدخلها في كافة التفاصيل وأدقها وأبسطها، عبر الشبكة الاجتماعية التي تكونها من العملاء والمستفيدين والمتعاونين. وهناك من يربط المصطلح بالدولة العميقة، التي إن كانت تعني مراكز السيطرة والتحكم والتأثير من قبل بعض المؤسسات، فإن دولة الظل المقصودة هي منهج ونظرية تلك المراكز، وهناك من تحدث عن إمكانية أن تصير دولة حقيقية «دولة ظل» بالنسبة لمعارضين مسلحين من دولة أخرى مجاورة، حال وجود عداء بين الدولتين. ويوجد من يعتقد أن الدولة التي يسمح نظامها السياسي الديمقراطي بقيام «حكومة ظل» لا يمكنها أن تشهد قيام «دولة ظل». 2 ـ المقاتل الشبح: أطلق الاصطلاح على مقاتلي داعش، وإن كان له امتداد في زمن أبعد، قياساً إلى أن التخفي والمفاجأة باتا يمثلان عنصراً حاسماً في الحروب الحديثة، حيث أسلحة الهجوم المستترة، وأدوات الدفاع الخفية، والقدرة على التسلل، والمراوغة. ونظراً لأن مقاتلي التنظيم يعتمدون على نمط من حرب العصابات يقوم على الكر والفر، وصناعة الكمائن، ومفاجأة خصومه، فقد أطلق خبراء عليهم «الأشباح»، مستندين إلى الخبرات الميدانية والشهادات والإفادات التي ذكرها من نازلوا داعش، أو إلى حديث «الدواعش» عن أنفسهم، وأسلوبهم في القتال. 3 ـ إدارة التوحش: وهو بالأساس كتاب يحمل هذا العنوان قصد مؤلفه، واسمه الحركي أبو بكر ناجي بـ «التوحش» حالة الفوضى العارمة التي تعم وتطم في إقليم أو دولة ما، نظراً لانفضاض قبضة السلطة الحاكمة عنها، بما يخلق معاناة شديدة للسكان، وعلى «التنظيم الإرهابي» الذي يحل محل هذه السلطة المنهارة الغائبة أن يمتلك كفاءة في إدارة المكان والسكان إلى أن تستقر الأمور لصالحه، فيقيم إمارة إسلامية، تطبق الشريعة، وفق التصور الذي يؤمن به التنظيم. والاصطلاح محمل بدلالات مجازية تشير إلى أن الخوف والرعب والفوضى والهلاك والدمار والتخريب مسألة حياتية عادية تحتاج إلى من يرتب شؤونها، وكأنه يدير غابة حافلة بالقنص والمطاردة والافتراس. 4 ـ الذئاب المنفردة: ربما لم يُصنع اصطلاح مجازي في تاريخ الإرهاب أكثر دلالة من «الذئاب المنفردة»، والذي قصد به، مع الطور الأخير من الإرهابيين، قيام أفراد متأثرين بأفكار تنظيم «داعش» أو منتمين إليه سرا بعمليات إرهابية متفرقة في بعض الدول، ثم الإعلان عن أنفسهم، أو التكتم وترك هذه المهمة لإعلام التنظيم، الذي يُسند هذه الحوادث أو ينسبها إلى نفسه، في إطار سعيه إلى تعظيم قوته، لإغراء آخرين بالانضمام إليه، أو الكيد لخصومه والضغط عليهم، أو السير خطوات نحو هدفه. وبات «الذئب المنفرد» يمثل آلية تنتهجها المنظمات الإرهابية بغية ارتكاب اعتداءات دون أن تتورط فيها بشكل مباشر، وتفضي في غالب الأحيان إلى عمليات دموية قد يكون لها أثر تحفيزي ودعائي يرمي بالأساس إلى استقطاب المزيد من الأشخاص الذين يستهويهم «الفكر الجهادي»، وقد تؤثر بالفعل في سياسات بعض الدول حيال التعامل مع داعش. وهذا الاصطلاح أفرزته المؤسسات الأمنية الغربية، في إطار تفسيرها لبعض الحوادث الإرهابية التي تقع هناك، وعدم توصل أجهزة الأمن إلى فاعل حقيقي لها، أو توصلها ثم تأكدها من غياب أي صلات تنظيمية أو إدارية أو مالية بين الفاعل وبين قيادات التنظيم الموجودة في منطقة ما تسمى «الدولة الإسلامية» على أجزاء من أرض العراق وسوريا. ويحمل الاصطلاح في مجازيته دلالات واضحة، فهؤلاء «ذئاب» في نظر من ينعتونهم بهذا، وبالتالي فهم يحملون عندهم كل الصفات التي يملكها الذئب من غدر وشراسة وشره، وهي ما دفعت، من قبل ذلك بكثير، أتباع مختلف الثقافات، إلى وصف المغتصبين للنساء بالذئاب البشرية. ونظراً لأن مرتكبي الحوادث الإرهابية الفردية، طالما يفاجئون الدول بعمليات خسيسة، وبعضهم يحمل جنسية هذه الدول لكنه يغدر بأهلها، ومثل هؤلاء متعطشون للدماء، فإن مصطلح الذئاب يبدو مناسباً لهم.