يثير إصرار روسيا والنظام على التهجير القسري إلى إدلب كثيراً من التساؤلات، أهو تنفيذ خطة سرية لجمع المعارضين العُتاة الذين تمسكوا بمطالبهم سبع سنين وصمدوا أمام الحصار والقتل والقذائف والبراميل المتفجرة التي انهمرت فوقهم طوال سنوات الجمر، ثم اضطروا للإذعان أمام عجز دولي عن حل سياسي عادي انتظروه طويلاً، وأمام إشفاقهم على أهلهم المدنيين الذين أمعن النظام وروسيا في قتلهم ليجبر أبناءهم المسلحين على القبول بما يعرض الروس عليهم في مفاوضات قهرية جاءت بعد خدعة سميت اتفاقيات خفض التصعيد، وتبين أنها تصعيد التصعيد، وانتهت إلى طرح روسيا خيارين أمام المقاتلين المصرين على تحقيق هدفهم في الحرية والكرامة، هما استمرار تدمير مدنهم وقتل سكانهما حتى الإبادة أو القبول بالتهجير، وللإنصاف، ثمة خيار ثالث هو الاستسلام الكامل لمن يريد البقاء، على أن ينضم إلى جيش النظام، ويحارب أهله. كان مشهد تهجير أهل «مضايا» و«المعضمية» و«داريا» قد استفز الضمير العالمي، وكان موضوع استخدام الكيماوي ضد أهل «دوما» لإجبارهم على الرحيل، أو الاستسلام قد حفز بعض الدول لتوجيه ضربات رمزية محدودة للنظام، ولكن المجتمع الدولي تغافل عن مشهد تهجير أكثر من مئة ألف مواطن أجبروا على أن يتركوا منازلهم، وأن يبدؤوا رحلة التشرد، وقد توجهت جل الحافلات الخضر إلى إدلب، وربما يبدأ غداً السبت مشهد تراجيدي آخر بتهجير قسري لنحو مئة وخمسين ألفاً من سكان أرياف حمص وحماه إلى إدلب أيضاً، فثمة 350 ألف مواطن محاصر في هذه المناطق. والمفجع في الأمر أن مئات الآلاف من الذين هجروا قسراً تركوا في الخواء، فلا توجد أية ترتيبات لاستقبالهم، وقد بات كثير من المهجرين في المساجد وفي الأبنية المهدمة، واتنشر كير منهم في الحقول والبساتين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، مع تراجع مريب لمنظمات الإغاثة الدولية، ولايملك سكان إدلب التي توقفت فيها الحياة الاقتصادية منذ أن قامت الثورة سبل العيش، وباتت الحياة في إدلب مغامرة مع الموت المتوقع إثر أي انفجار أو اغتيال. وهاهو تنظيم «داعش» يظهر من جديد في ريف دمشق لتبرير قتل الناس وتشرديهم والاستيلاء على ممتلكاتهم وتفريغ محيط دمشق من أهل السُنة تحديداً ليمنحه النظام لإيران، ولتنشأ ضاحية جنوبية يسيطر عليها الفرس، كما هو الأمر في الضاحية الجنوبية في لبنان. وعلى الرغم من كل النصائح التي قدمت لتنظيم «النصرة» لحل نفسها والخروج الآمن من إدلب ومن أماكن أخرى، نراها تصر على البقاء في إدلب وراء وهمها الهلامي في إنشاء دولة دينية، وهو كما قلت مجرد ذريعة، فنحن لاننسى أن «النصرة توأم داعش، وهذه التنظيمات المصطنعة هي التي غطت إعلامياً على نقاء مطالب الثورة. وأهل إدلب وسكانها يتساءلون اليوم، هل يتم جمع كل هؤلاء الثوار في إدلب ليكونوا هدفاً لمكافحة الإرهاب فتتم إبادة جماعية (لاسمح الله) لاينجو منها غير الجولاني، وثلته كما نجا البغدادي وفريقه؟ أم هل ما يحدث من تهجير إلى إدلب هو تنفيذ مخطط دولي بالتقسيم؟ ولماذاسيتم تهجير أهل الفوعة وكفريا إلى خارج إدلب، وكثير منهم يريدون البقاء في بيوتهم، صحيح أن «حزب الله» جعل منهم معسكراً ضد إخوانهم في إدلب، لكنهم أبناؤها وقد عاشوا قروناً مع أهل «السُنة» دون أية مشكلة؟ أسئلة كثيرة واحتمالات مثيرة تنتظر إدلب التي يبلغ عدد المهددين فيها أربعة ملايين نسمة، والسؤال الأهم: إذا دخل الروس والنظام منتصرين إلى إدلب إلى أين سيهجّر أهل إدلب؟ وإلى أي اتجاه ستمضي الباصات الخضر، ولاسبيل أمامهم سوى تركيا التي تريد تخفيف العبء عنها، وتسعى إلى إعادة السوريين اللاجئين فيها إلى منطقة آمنة في الشمال. وما أثق به أن أهل إدلب سيقاومون وسيطردون المتطرفين جميعاً، وسيحملون مشعل الثورة حتى تنتصر بإذن الله.