في يوم 30 من شهر أبريل المنصرم، قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إفادة بالإنجليزية نُشرت على نطاق واسع، تكشف عن مجموعة كبيرة من الوثائق التي حصلت عليها إسرائيل بطريقة ما من أرشيف إيران السري بشأن برنامجها النووي. ومعظم الوثائق التي عرضها نتنياهو تعود إلى عام 2003 وما قبله، وهي تؤكد فيما يبدو ما يعرفه الجميع من أن إيران كان لديها بالفعل برنامجاً نشطاً للأسلحة النووية، لكنها على الأرجح لم تواصل المضي قدماً في مسعى امتلاك الأسلحة النووية من خلال هذا البرنامج منذ عام 2003. وقد زعم نتنياهو أنه منذ التوقيع على «خطة العمل الشاملة المشتركة»، أو ما يعرف بالاتفاق النووي مع إيران في عام 2015، تقاعست طهران عن التحلي بالشفافية الكاملة بشأن أنشطتها النووية الحقيقية. وكل هذا يعزز الأسباب التي تجعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب يمتنع عن أن يشهد أمام الكونجرس الأميركي بأن إيران تلتزم بالاتفاق الموقع معها. وفي مقابل إفادة نتنياهو، ذهب كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الأسبوع الماضي، إلى واشنطن لمقابلة الرئيس ترامب في محاولة لإقناعه بأن تبقى الولايات المتحدة ملتزمة بالاتفاق النووي الإيراني، وتحديداً لأن الصفقة هي الاتفاق الوحيد الذي يسمح للمجتمع الدولي أن يراقب أنشطة إيران النووية. وإذا صرح ترامب بأن إيران لم تلتزم بالاتفاق، فسيكون للكونجرس حرية إعادة فرض عقوبات على إيران سبق أن رُفعت عنها عقب التوقيع على الاتفاق النووي في عام 2015. وفي المقابل فقد حذرت إيران من أنه إذا انتهكت الولايات المتحدة بنود الاتفاق، فسيكون لطهران مطلق الحرية في أن تستأنف برنامجها النووي، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم. وقد أكدت إدارة ترامب والإدارات الأميركية السابقة برئاسة أوباما أنها لن تسمح أبداً لإيران بالحصول على الإمكانيات التي تسمح لها بإنتاج أسلحة نووية. وهناك عدد كبير من الدول في الشرق الأوسط تتفق مع هذه الرؤية الأميركية. لكن من اللافت للنظر في الأمر هو أن قرار ترامب قد يأتي في وقت يضع فيه الرئيس الأميركي خططاً لعقد اجتماع تاريخي مع الزعيم الكوري الشمالي «كيم جونج أون» لمناقشة سبل نزع فتيل الأزمة في شبه الجزيرة الكورية والتوصل في نهاية المطاف لطريقة تتخلى بها كوريا الشمالية عن برنامجها النووي النشط. ويمكن الزعم بأن الكوريين الشماليين يراقبون سلوك ترامب تجاه إيران باهتمام كبير، ويرجع هذا في جانب منه إلى أنهم يريدون استطلاع مدى وفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها التي تقطعها على نفسها مع الحكومات الأجنبية في قضايا الانتشار النووي. والعامل الآخر المؤثر في الجدل بشأن قضية إيران يتمثل في الحرب الدائرة في سوريا التي لعبت فيها إيران وروسيا أدواراً حيوية في إنقاذ نظام الرئيس بشار الأسد من الهزيمة على أيدي قوات المعارضة. وفي جانب كبير من هذه الحرب، نأت إسرائيل بنفسها نسبياً عن التورط في مواجهات عسكرية مباشرة في سوريا، مفضلةً استمرار طريقتها المعتادة مع سوريا، والمستمرة منذ اتفاق فض الاشتباك الذي تفاوض فيه وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كسينجر عام 1973. لكن في الشهور القليلة الماضية، أصبحت إسرائيل قلقة بشدة من الوجود الإيراني العسكري في سوريا، ومن استمرار إمداد طهران ل«حزب الله» اللبناني بالأسلحة. ونتيجة لهذا شنت إسرائيل هجمات جوية أوسع نطاقاً على قواعد ومخازن أسلحة إيرانية في سوريا. وقد حرصت إسرائيل بشدة على تجنب أي تورط عسكري مباشر ضد القوات الروسية هناك، لكن إذا تصاعدت المواجهات مع إيران فقد تجد إسرائيل صعوبة في تجنب الاحتكاك بالقوات الروسية. وفي ظل هذه الظروف، قد يصبح التورط الأميركي المباشر أكثر ترجيحاً مع الأخذ في الاعتبار العلاقات الوثيقة بين إدارة ترامب وإسرائيل وتواجد إمكانيات جوية أميركية هائلة في المنطقة. وفي هذه الظروف، قد تدخل أزمة إيران بشأن الاتفاق النووي في طور التورطات العسكرية في سوريا، وتتسبب في قلق متزايد من اعتزام إيران إقامة قواعد عسكرية دائمة للانتشار الجوي والبحري والبري في دولة محورية على البحر المتوسط. وقد يجادل بعض المتشددين بالقول أن لا مفر من مواجهة مع إيران بشأن برنامجها النووي وتوسعها الإقليمي. لكن لا أحد يستطيع التنبؤ بأي قدر من اليقين بالنتيجة التي قد يتمخض عنها مثل هذا الصراع على مستوى الإقليم وعلى مستوى المجتمع الدولي، بما في ذلك إمدادات الطاقة وأسعار النفط.