عقد ترامب العزم على مواجهة حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين بشأن كل قضية ذات أهمية، من التجارة إلى التغير المناخي إلى الاتفاق متعدد الأطراف مع إيران. وبينما أصبح السياسيون والجمهور على هذا الجانب من المحيط الأطلسي حذرين بشكل متزايد، حري بنا أن نسأل ما إذا كان ترامب يريد حلفاء على الإطلاق. وبعد الزيارات غير الناجحة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل إلى واشنطن الأسبوع الماضي، أعطى ترامب لأوروبا تأجيلاً لمدة شهر آخر من الرسوم الجمركية العقابية التي فرضها على واردات الصلب والألومنيوم. وهو يتوقع أن توافق دول الاتحاد الأوروبي على تحديد حصص تصديرية بدلاً من ذلك. فلماذا تريد إدارة ترامب ذلك؟ إن التعريفات ستؤدي على الأقل إلى حصول الولايات المتحدة على بعض العائدات، في حين أن الحصص ستؤدي فقط إلى أرباح غير طبيعية للمصدرين، حيث إن الأسعار سترتفع حتماً. ولكن سواء كانت تعريفات أو حصص، من الواضح أن القادة الأوروبيين لا يحظون بشعبية لدى ترامب. ثم إن هناك احتمال –أكده «ماكرون» بعد محادثاته مع ترامب –أن تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني وتعيد فرض عقوبات على إيران. ومن الواضح أن عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الاثنين كان يعني تعزيز قرار ترامب بالقيام بذلك. إن أسلوب نتنياهو القوي في إبراز نقطة لا تتفق بالضرورة مع البيانات (المواد التي حصلت عليها الاستخبارات الإسرائيلية بخصوص خطط الأسلحة الإيرانية من قبل إبرام الصفقة) يجب أن تروق لترامب أكثر من الحجج المدروسة التي يسوقها القادة الألمان والفرنسيون أو التذكير الرصين للمفوضية العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي «فيديريكا موجيريني» بأن إيران امتثلت بشكل كامل لالتزاماتها لعام 2015. إن لغة الجسد لتفاعلات الرئيس ترامب مع ماكرون، والتي تنم عن صداقة، وتلطفه المثير للغضب تجاه ميركل يبعث بنفس الرسالة: اعطوني ما أريد أو لا تهتموا بالحضور. والخيار الأخير سيكون بمثابة قفزة مخيفة للسياسيين الأوروبيين، الذين كانوا يقدرون التحالف عبر الأطلسي منذ نهاية أربعينات القرن الماضي. لكن الجماهير الأوروبية وقادة الفكر ربما يكون لديهم شعور مختلف. يذكر أن نسبة التفضيل أو (الشعور الإيجابي) الولايات المتحدة (البلد وليس الإدارة) تبلغ 46% في فرنسا و35% في ألمانيا، وفقا لمركز «بيو» للأبحاث. وقد كانت هذه هي النسب الأدنى منذ عام 2008، عندما لم تتمكن الولايات المتحدة من التعافي من الغزو العراقي، وكانت الأزمة المالية تزداد سوءاً، بيد أن أيا من هذه الأحداث الخطيرة تحدث الآن. ومعظم الخبراء –الأميركيين والأوروبيين على حد السواء – يعتقدون أن العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا تزداد سوءاً من جميع النواحي. ربما تكون أوروبا مدينة بالفضل للولايات المتحدة من الناحية الأمنية، لكن معظم الأوروبيين يرون الأمن كمشكلة تتعلق بحفظ النظام، وليس كمشكلة جيوسياسية، لذا فإنه من الصعب أن نشرح لهم بالضبط التهديدات التي تتجنبها الولايات المتحدة. وإذا كان نهج «أميركا أولا» لترامب، والذي كان معروضاً بالكامل خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده مع ميركل، تمليه اعتبارات داخلية، وكذلك الحال، كما أشار ماكرون، مع موقف ترامب إزاء الاتفاق النووي الإيراني، لحظي توبيخ الولايات المتحدة بشعبية داخل أوروبا، وربما وكان مربحاً سياسياً. وقد التزمت ميركل وماكرون بعدم اللعب بهذه الورقة، بما في ذلك في حملاتهما الانتخابية الأخيرة. و«جونتر اوتينجر»، مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الموازنة، قال «إننا نستورد الجينز من الولايات المتحدة، لكن هناك المزيد من المنتجات الأوروبية التي تجذب الأميركيين». وأضاف «إنهم يتمتعون بميزة في قطاع واحد-وهو القطاع الرقمي، ووسائل التواصل الاجتماعي والبيانات الضخمة. ولكن فيما يتعلق بالصناعة الحقيقية، هناك القليل من المنتجات الأميركية التي تجذب الأوروبيين». هذا الفخر الاقتصادي –الذي هو ليس في محله على الإطلاق، حيث إن أوروبا لديها فائض تجاري مع الولايات المتحدة في معظم السلع الصناعية، وكذلك في الغذاء –يمكن بسهولة أن يمتزج مع انتقاد السياسة الأمنية الأميركية، لا سيما إذا دمر ترامب الاتفاق الإيراني. وأي زيادة في عدم الاستقرار في الشرق الأوسط يمكن ربطه بسهولة مع زيادة الهجرة إلى أوروبا، على الرغم من أن الأحزاب اليمينية واليسارية المتطرفة هي فقط التي تربط بين الأمرين حتى الآن. ويبدو أن ماكرون وميركل ينتظران شيئاً من ترامب. ولكن إذا أعيد انتخاب ترامب في 2020 أو إذا تبنى خليفته اتجاهاً مماثلًا، فإن الدورة الانتخابية القادمة في معظم دول الاتحاد الأوروبي قد تتحول لمناهضة أميركا أكثر مما كان عليه الحال في الدورة السابقة. *كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»