على مدار أشهر، اعتمد «الديمقراطيون» ووسائل الإعلام على تصورات، وأنباء تثير الاشمئزاز، وحتى سيناريوهات «ماذا لو»، التي لم تجد سبيلاً لإبقاء نظرية المؤامرة بين ترامب وروسيا على قيد الحياة. غير أن الخبر المفاجئ والذي يشير إلى أن المحامية الروسية «ناتاليا فزلنيتسكايا»، التي حضرت أحد الاجتماعات كمحامية خاصة مع مسؤولين في حملة ترامب في يونيو عام 2016، تعمل بصورة مبهمة كـ«مخبرة» للمدعي العام الروسي تبدو مثل النزع الأخير في بحث تيار اليسار عن أي شيء يثبت وجود «المؤامرة». فقد حاول «الديمقراطيون» وحلفاؤهم في وسائل الإعلام التشبث بكلمة «مخبرة» لإنعاش نظرية المؤامرة المزعومة، غير أنهم أخفقوا في إنعاشه. فقد أقرت «فزلنيتسكايا» بالفعل في حوار مع صحيفة «وول ستريت جورنال» في يوليو 2017، بأنها تبادلت المعلومات مع المدعي العام الروسي، أثناء تحضير الدفاع القانوني عن أحد موكليها. ولم يكن هناك أي شيء يدعو للدهشة على الإطلاق. وفي عهد النشاط المعارض لترامب، والذي يبدو فيه كل شيء مباحاً، إذا لم يستطع الصحافيون إثبات أية علاقات، فإنهم يلجؤون إلى تلك المصطلحات الفارغة المبالغ فيها، والتي يُساء استخدامها في الصحافة الأميركية، وخصوصاً: «صلات ب» وقرينتها «علاقات مع»، لكن على رغم من المحاولات المضنية من قبل كارهي ترامب إلباس القديم حلّة الجديد، فإن الهوس بشأن مصطلح «مخبرة» لم يدم أكثر من 48 ساعة. وعلى أية حال، من دون وجود شكوك بشأن المؤامرة للتحقيق فيها، يبقى السؤال، ما هو الهدف من التحقيق الذي يجريه المحقق الخاص «روبرت مولر»؟ ونعلم جميعاً بشأن تلك الأمور التي لا رابط بينها، مثل الاتهامات ضد «بول مانافور» بغسيل الأموال، وأساليب الضغط على المحامي «مايكل كوهين» واعتراف المحامي الهولندي «أليكس فان دير زوان» (أم أنه دانماركي.. هل يتذكر أحد؟) بالكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي، وسطوع وأفول نجم المستشار السابق لترامب «كارتر بيدج» المناهض لفكرة التغير المناخي، بل وحتى «جورج بابادوبولوس» الذي تم التشهير به لفترة وجيزة باعتباره «متآمراً كبيراً»، لكن بلا صلة مؤكدة، وسرعان ما نُسي مع الظهور المفاجئ لقضية «ستورمي دانيالز» التي هيمنت على أخبار الفضائح. وجميع تلك الشخصيات التي لا دور له في قصة «لامؤامرة» حملة ترامب ستتلقى دون شك انتقادات قاسية في تقرير «مولر» المرتقب. وأظن أن التقرير سيمهد الطريق أمام «الديمقراطيين» من أجل «سحب الثقة» من ترامب. وإذا كان الأمر كذلك، فإن انتخابات التجديد النصفي في الكونجرس ستتحول إلى اختيار بين «سحب الثقة» الذي يسعى إليه «الديمقراطيون» و«قوة الاقتصاد» الذي تمثله الإدارة الحالية و«الجمهوريون». ومثل نظريات المؤامرة الأخرى كافة، فإن «المؤامرة الكبرى» لعام 2016 ستلقى مصيرها، وستؤلف الكتب، وتُصنع الأفلام، وبعض «الديمقراطيين» المطلعين سيحاولون تعزيز تأييدهم في الشارع في خضم الوهم الحزبي، ولكن في نهاية المطاف، لن ينالوا مبتغاهم، ولن يرضى أحد، ولن يكون تحقيق «مولر» سوى رسالة تذكير أخرى بأن النظام السياسي في أميركا «معطّل»! *مستشار سياسي سابق في إداراتي «رونالد ريجان» و«جورج بوش الأب» يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»