ظاهرياً، يبدو كما لو أن المشكّكين كانوا على خطأ. فالزعيم الكوري الشمالي «كيم جونغ أون» سافر إلى كوريا الجنوبية من أجل لقاء نظيره، واتفقا مبدئياً على إنهاء الحرب التي قسّمت شبه الجزيرة. بل إن كيم وافق على بيان مشترك يدعو لجعل شبه الجزيرة منطقة خالية من السلاح النووي. فما الذي لا يستحق الإعجاب في هذا؟ الكثير في الواقع. ومن أجل فهم الأسباب، لنلق نظرة على «إعلان بانمونجوم للسلام والازدهار وتوحيد شبه الجزيرة الكورية» الصادر عن الرئيسين «كيم جونغ أون» و«مون جاي إن» عقب اجتماعهما. ولنبدأ بالموضوع الأهم بالنسبة لأميركا وجيران كوريا الشمالية: الملف النووي. فالبيان المشترك يقول: «إن كوريا الجنوبية والشمالية شددتا على الهدف المشترك المتمثل في جعل شبه الجزيرة الكورية منطقة خالية من السلاح النووي عبر نزع كامل للسلاح النووي». كما يقول إن الدولتين «تتقاسمان وجهة النظر نفسها بشأن أهمية التدابير التي تتخذها كوريا الشمالية بالنسبة لجعل شبه الجزيرة الكورية منطقة خالية من السلاح النووي، ووافقتا على الاضطلاع بدوريهما ومسؤولياتهما بهذا الشأن». وأخيراً، تعهد البيان بأن يسعى الطرفان وراء مساعدة وتعاون المجتمع الدولي من أجل بلوغ هدف جعل كوريا الشمالية منطقة خالية من السلاح النووي. والحق أن كل هذا يبدو جيداً، لكنه ليس كذلك؛ فالكوريون الشماليون استعملوا تاريخياً عبارة «جعل شبه الجزيرة الكورية خالية من السلاح النووي» ليعنوا أنه يتعين على الولايات المتحدة الكف عن توفير مظلة نووية لحماية كوريا الجنوبية. ومثلما شرح المسؤول الرفيع السابق بوزارة الخارجية الأميركية إيفانز رفير في موجز مؤخراً لمؤسسة بروكينجز، فإن المخاطبين الكوريين الشماليين شرحوا المصطلح في محادثات مع مسؤولين وخبراء أميركيين باعتباره «القضاء على التهديد الذي يطرحه التحالف الأميركي الكوري الجنوبي، والجنود الأميركيون على شبه الجزيرة الكورية، والمظلة النووية الأميركية التي تدافع عن كوريا الجنوبية واليابان». ثم إن هناك اللغة الغريبة حول كيف أن إعلان «كيم» الأخير تعليق التجارب الصاروخية اعتُبر من قبل الزعيمين «مهماً جداً لجعل شبه الجزيرة الكورية منطقة خالية من السلاح النووي». لكنه ليس كذلك. فكما قال كيم نفسه في خطابه بمناسبة السنة الجديدة، فإنه لم يعد يرى حاجة لاختبار صواريخه الباليستية العابرة للقارات. غير أن مشكلة البيان تتجاوز ما يعنيه الطرفان بـ«جعل شبه الجزيرة الكورية منطقة خالية من السلاح النووي»، إذ هناك أيضاً المساواة الزائفة التي يقيمها البيان بين جمهورية ديمقراطية تتمتع بالحيوية ودولة شمولية قمعية. فقد اتفق الزعيمان على فعالية مشتركة في 15 يونيو، «سيشارك فيها مشاركون من كل المستويات، بما في ذلك الحكومات المحلية والمركزية، والبرلمانات، والأحزاب السياسية، والمنظمات المدنية». والحال أن ثمة حزباً وحيداً في كوريا الشمالية ولا توجد أي منظمات مدنية. ومن الخطير ادعاء خلاف ذلك. وأخيرا، ينبغي للرئيس ترامب خاصة أن يقلق بشأن ما يعنيه البيان بين الكوريتين بالنسبة لاستراتيجيته المتعلقة بممارسة أقصى ضغط على بيونغ يانغ، إلا إذا قدّم نظامها تنازلات ملموسة بخصوص الملف النووي. لهذه الأسباب، ينبغي على ترامب أن يكون حذراً بشأن الخطوات المقبلة، وأن يحرص على ألا تسعى كوريا الجنوبية وراء سلام منفصل مع غريمتها، وأن يفهم جيداً الخطوات التي سيتخذها كيم من أجل نزع السلاح. وإلى أن يحدث ذلك، على ترامب أن يبطئ الدبلوماسية ويتريث. فقد أظهر كيم أنه بارع في نيل عناوين صحفية متفائلة، وهذا دليل على دهائه وليس نواياه! ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»