إن «رفع العقوبات عن إيران لن يحدث إلا عندما تتخذ الخطوات المتفق عليها، بما في ذلك معالجة الأبعاد العسكرية المحتملة». هذا ما صرح به المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية «جون كيربي» في يونيو 2015 عقب انتهاء المفاوضات الخاصة بالاتفاق النووي الإيراني. بيد أن إيران لم تتخذ «الخطوات المتفق عليها». لقد كان الاتفاق مبنياً على كذبة، بل على كذبتين في الواقع؛ الأولى كانت إعلان إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن أعمالها النووية السابقة على الاتفاق. وكان ذلك ضرورياً لاختبار إخلاص طهران ولفهم مدى استعدادها لتجميع وتسليم الرؤوس الحربية النووية لديها. أما الكذبة الثانية فتمثلت في وعد إدارة أوباما بالجدية في نيل إجابات واضحة من طهران. فقد اعترف جون كيري، وزير الخارجية في حينه، قائلاً: «نحن لا نتشبث بأن تبرر إيران ما فعلته في وقت معين»، وبعد ذلك وعد الكونجرس بأن إيران ستقدم التفسير. وحدث ذلك لأن البيت الأبيض خشي أن يمنع الكونجرس الاتفاق، لكن الكونجرس لم يمنع بسبب تعطيل الحزب الديمقراطي له، فأرضت الإدارة نفسها عبر التظاهر بالتصديق، كما تظاهرت إيران بأنها أعلنت عن جميع أنشطتها النووية وتظاهر العالم بتصديقها. وفي ديسمبر 2015، كتب ديفيد ألبرايت وزملاؤه في المعهد غير الحزبي للعلوم والأمن الدولي: «لقد كانت إجابات وتفسيرات إيران للعديد من مخاوف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في أحسن الأحوال، جزئية، لكنها كانت مربكة وغير متعاونة. وقد تم منع أو تقييد الوصول الضروري إلى المواقع للقيام بعمليات تفتيش كافية». إذن، دار الكثير من النقاش حول اتفاق يقدم مستوى غير مسبوق من الشفافية لمراقبة الامتثال الإيراني. ودار الكثير حول فكرة أن إيران التزمت بتنفيذ دورها في الصفقة، بيد أنها لم تفعل، وهذا ما يجعل الاتفاق لاغياً وباطلاً. وهذه هي أهمية عرض نتنياهو، الاثنين الماضي، لما يبدو مخبأ ضخماً من الوثائق الإيرانية التي تكشف بالتفصيل نشاط طهران النووي. وقد رفض المدافعون عن الاتفاق عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي باعتباره حفنة من الأخبار القديمة ومجرد دليل إضافي على أن إيران كانت ذات يوم لديها برنامج سري لصنع القنبلة النووية. وهم يصرون على أن إيران امتثلت لشروط الاتفاق منذ دخوله حيز التنفيذ في يناير 2016. بيد أنه من الصعب أن نتخيل بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية يمكنها الآن ملاءمة إعلان إيران في عام 2015 بما كشفه الإسرائيليون. فلم يعد إفك إيران هو الافتراض المطلع عليه لخبراء الانتشار النووي أمثال ألبرايت. وإذا كانت الوكالة تبالي بمصداقيتها الخاصة كجهة رقابية نووية، فعليها أن تقرر بأن الإعلان السابق لإيران كان زائفاً وأن احتفاظ طهران بالوثائق التي حصلت عليها إسرائيل، بكل الخبرة النووية التي تحتوي عليها، وضعها في اختراق محتمل للاتفاق. لقد أعطى الاتفاق لإيران أفضل ما في كل العالم، حيث أضعف القيود التي فرضتها الأمم المتحدة على حقها في تطوير واختبار ونشر الصواريخ الباليستية، وهو عنصر أساسي للأسلحة النووية التي لم يتقنها الإيرانيون بشكل كبير. كما رفع القيود على صادرات النفط الإيرانية، وخفف من العقوبات الأخرى، ما أدى إلى ضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد الذي كان يحتضر في السابق. كما كان من شأنه أن يسمح لإيران بإنتاج كل الوقود النووي الذي تريده في نهاية العقد المقبل. نعم، كانت إيران بموجب الاتفاق ممنوعة بشكل دائم من صنع سلاح نووي، حتى بعد انتهاء صلاحية القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم.. لكن لماذا نفترض أن نظامها الحالي يمكن أن يكون مخلصاً للاتفاق حتى نهايته؟ لقد كانت إفشاءات نتنياهو موقوتة للتأثير على قرار ترامب، والذي صدر أول أمس، وتضمن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق. كان الاتفاق يسمح لإيران بالتحرك على مهل تجاه صنع قنبلة، حتى مع استخدامها لتعزيز نزعتها القتالية في المنطقة، خاصة العراق ولبنان واليمن وسوريا. ويشير تاريخ إيران النووي إلى أن قادتها كانوا دائماً حذرين في مواجهة التهديدات الأميركية ذات المصداقية. بريت ستيفنز كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»