إحدى السمات السريالية لحقبة ترامب في واشنطن هي الطريقة التي تتشكل بها المقاومة لنظامه. هناك بالطبع العديد من التقدميين عبر الإنترنت، الذين يحذرون من سياسات ترامب. هذا شيء متوقع بطبيعة الحال؛ ولكن من بين الحلفاء أيضاً، هناك عدد من العالمين ببواطن الأمور في موضوع الأمن القومي، الذين يقاومون ترامب لسبب أساسي، وهو أنه ربما يتأثر بنفوذ روسيا. معظم «الديمقراطيين» يوافقون على هذا الاحتمال، حتى لو كان حزبهم يعارض ترامب لأسباب تتجاوز موضوع الشك في التواطؤ مع روسيا. ولكن مع ترشيح ترامب لـ«جينا هاسبيل»، نائبه مدير وكالة المخابرات المركزية الحالية، لقيادة الوكالة، فإننا نجد أن هذه الكتلة من الشركاء تنقسم إلى قسمين: في جانب سنجد «ديموقراطيين» يزعمون أن «هاسبيل»، التي ستعقد جلسة الاستماع المفتوحة الخاصة بها في مجلس الشيوخ، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بوقائع الاستجواب والتعذيب، التي مارستها الوكالة في التعامل مع المشتبهين بالإرهاب، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بما يحول دون الموافقة عليها لشغل منصب مديرة الوكالة الآن. يشار في هذا السياق إلى أن «ديان فاينشتاين»، رئيسة لجنة الاستخبارات السابقة في مجلس الشيوخ، قد قالت في تصريح لها الشهر الماضي: «إن تشجيع شخص متورط بقوة في برنامج التعذيب، إلى أعلى منصب في وكالة المخابرات المركزية، وهي الوكالة المسؤولة عن أحد أكثر الفصول قتامة في تاريخنا، يمثل خطوة تدعونا لأن نكون حذرين للغاية». وفينشتاين (ديمقراطية – كاليفورنيا) متسقة مع نفسها، عندما تقول ذلك. فعندما كانت رئيسة للجنة الاستخبارات، قام الأعضاء «الديمقراطيون» في اللجنة بتقديم تقرير شامل عن برنامج «سي. آي. إيه»، وهو ما أثار حفيظة القائمين على الوكالة آنذاك. وقد وصل التوتر إلى مداه عام 2015 عندما قام عملاء من «سي آي إيه»، بانتهاك قاعدة البيانات المستخدمة من قبل محققي مجلس الشيوخ. وقد أدى صعود ترامب إلى تهدئة الأمور بين «الديمقراطيين» والمخابرات، حيث وفر لهم قضية مشتركة. فقد قام مديران متقاعدان لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية هما «مايكل هايدن»، و«مايكل موريل»، اللذان خدما الرئيسين جورج دبليو بوش، وباراك أوباما على التوالي، بتسجيل سابقة، عندما اتهما ترامب علناً بأنه قد جرى استغلاله من قبل روسيا في الفترة التي سبقت انتخابات عام 2016. منذ تنصيب ترامب العام الماضي، حذا مديرون سابقون للوكالة حذو المديريْن المذكورين. فالمدير السابق للوكالة «جيمس كلابر» هو الآن عضو لجنة المخرج السينمائي والعضو الديمقراطي «روب راينر»، المكلفة بالتحقيق في مسألة روسيا. كذلك نجد أن المدير الأسبق للوكالة «جون برينان» يعمل الآن في إذاعة «إم إس إن بي سي» التي تعد معقل مقاومة سياسات ترامب. هذا هو السبب الذي يجعل توقيع الرجال الأربعة على رسالة مفتوحة الشهر الماضي، مع 46 آخرين من خبراء الاستخبارات السابقين، يؤيدون فيها ترشيح هاسبيل أمراً مثيراً للاهتمام. ليس هذا فحسب بل إن بعض مديري الوكالة السابقين، ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك. فـ«جيرمي باش»، مدير مكتب ليون بانيتا مدير الوكالة خلال عهد باراك أوباما، كتب الشهر الماضي مقالاً يقول فيه إنه لا يجب توجيه اللوم لهاسبيل بشأن إتلاف شرائط التعذيب بطريقة الإيهام بالغرق، لا لأنها كانت تعتقد، عندما قامت بذلك، أنها تتبع تعليمات «بورتر جروس» الذي كان مديراً للوكالة آنذاك. ونهاية مقال «باش» تنفذ إلى جوهر الصدع الذي أحدثه ترشيح «هاسبيل» في صفوف المعارضة لترامب عندما يقول:«التصديق على ترشيح جينا هاسبيل سيرسل الإشارة الصحيحة تماماً إلى مجتمع الاستخبارات وبقية البلد عن أهمية الاستخبارات الاحترافية، ووضع الواجب قبل الذات» وأضاف: «ونحن نحتاج هذه الإشارة الآن أكثر من أي وقت مضى». ومثلما يجد «الديمقراطيون» أن حلفاءهم في التصدي لترامب يوافقون على اختياره لمديرة «سي آي إيه»، فإن الرئيس نفسه، يجد أن مرشحته تحظى بدعم من مديري الوكالة السابقين، الذين يتهمهم أنصاره بأنهم أداة «الدولة العميقة» في أميركا. عندما سألت «مارك شورت»، مدير الشؤون القانونية في البيت الأبيض، عن هذا الموضوع يوم الجمعة الماضي، أقر بأن بعض أنصار ترامب قد أخبروه أن دعم «هاسبيل» من قبل منتقدي الإدارة مثل «برينان» و«كلابر» يجعلهم يشعرون بقلق. لكن شورت قال أيضاً إن هذا لم يؤثر على قرار ترشيح هاسبيل. وقال حول هذه النقطة: «لم تتقدم هاسبيل إلى هذا المنصب لأن برينان أحبها، لكن بسبب خدمتها كنائب مدير وكالة المخابرات المركزية». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»