في الثامن من شهر مايو الجاري أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، والمعروف أيضاً باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وهو انسحاب كان متوقعاً لدى العديد من العارفين. وعلى الرغم من الجهود المكثفة التي بذلتها كل من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، وكذلك وكالات الاستخبارات الأميركية، في اللحظات الأخيرة، إلا أن ترامب كان مصمماً على إنجاز الوعد الذي أطلقه خلال حملته الانتخابية والانسحاب مما قال إنه «اتفاق فظيع أحادي الجانب لم يكن ينبغي عقده أبداً». لكن الرد على أحدث خروج لترامب من اتفاقية دولية كان سلبياً جداً، حتى الآن، لاسيما من الجانب الأوروبي الذي كان طرفاً في الاتفاق النووي مع إيران. ويشير منتقدو قرار الانسحاب الأميركي إلى عدة نقاط: منها أن قرار ترامب يجعل من الولايات المتحدة في أعين كثير من الدول شريكاً غير جدير بالثقة، وأن الاحتمال الأكبر هو أن تنسحب إيران من الاتفاق وتستأنف برنامجها النووي، وأن العقوبات الأميركية الجديدة الموعودة لن تطال إيران فحسب، بل أيضاً حلفاء مهمين للولايات المتحدة، لاسيما في أوروبا. وبخصوص العقوبات، قال ترامب بوضوح: «إننا سنبدأ أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية. وأي دولة تساعد إيران في سعيها وراء أسلحة نووية يمكن أن تتعرض لعقوبات أيضاً من قبل الولايات المتحدة». العقوبات يمكن أن تكون مؤلمة بشكل خاص بالنسبة لعملاق الطيران الأميركي «بوينغ» ومنافسها الأوروبي «إيرباص»، حيث كانت الشركتان تأملان في ما يصل إلى 40 مليار دولار من المبيعات لإيران التي تحتاج لتجديد أسطولها الجوي القديم الذي لم يعد صالحاً. ولو تأتَّى لإيران أن تعيد تأسيس نفسها كلاعب مهم في سوق السفر الشرق أوسطي الذي يتميز بمنافسة شرسة، فإنها قد تصبح قادرة على تحدي هيمنة بعض شركات الطيران الإقليمية. كما أن تجديد العقوبات على صادرات النفط الإيرانية يمكن أن يتسبب في ارتفاع أسعار البترول، وهو ما ستكون له تداعيات اقتصادية عالمية يمكن أن تطال أيضا الولايات المتحدة التي ما زالت تعتمد على النفط بشكل خاص من أجل شبكة نقلها الوطنية. لكن أخطر نتيجة لقرار ترامب ستكون انسحاب إيران المحتمل من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم. فطالما أعلنت إيران تشبثها بالتزاماتها في إطار هذه المعاهدة، وعلى ضوء ذلك الإعلان ستظل تخضع لعمليات تفتيش دولي مكثفة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وإذا غابت عمليات التفتيش هذه، فإنه ستصبح مسألة وقت فقط قبل أن تتكثف الضغوط من أجل استخدام القوة لتدمير قدرات إيران. كما ستزداد احتمالات انتشار نووي إقليمي مستقبلا. ويجب أن نتوقع قيام قوى شرق أوسطية كبيرة أخرى، هي اليوم من البلدان الموقعة على المعاهدة، مثل مصر وتركيا، بإعادة النظر في مواقفها. ونظراً لأن إسرائيل والهند وباكستان، لديها أسلحة نووية، فإن سباق تسلح نووي في المنطقة بشكل عام سيكون احتمالا قوياً جداً. وعلاوة على ذلك، فإن آفاق فوضى نووية في الشرق الأوسط وإلى الشرق من آسيا قد تقوّي في حد ذاتها حجج الموقف الداعي إلى ضربة استباقية ضد إيران في حال انسحبت من معاهدة الحد من الأسلحة النووية. لكن حتى يصبح هذا الأمر ممكناً، سيتعين على الولايات المتحدة خوض حرب كبيرة أخرى في وقت تشير فيه استطلاعات الرأي العام الأميركي إلى أنه لا توجد رغبة في مثل هذه المواجهة. كما أن تكاليف مثل هذه الحرب يمكن أن تؤدي بسرعة إلى ركود اقتصادي، وخاصة إذا اضطربت إمدادات النفط بسبب القتال. أما فكرة ضربة جراحية ضد المنشآت النووية الإيرانية بهدف إزالة التهديد الذي تطرحه طهران، فإنها جد مضللة بالنظر إلى عدد الطرق التي يمكن لإيران أن تستخدم بها قواتها من أجل إعاقة الولايات المتحدة وحلفائها والتسبب لهم في خسائر مهمة. ترامب، وعلى غرار سلفه باراك أوباما، تعهد بعدم توريط الولايات المتحدة في حروب الشرق الأوسط مجداً. لكن القوات الأميركية كانت تقاتل في كل يوم من أيام رئاسة أوباما. والشيء نفسه ربما يمكن أن يقال عن ترامب أيضاً. ثم إن أي نزاع مع إيران سيكون من المستبعد أن يلقى دعماً من أوروبا إذا لم تنخرط إيران في سلوك شرس حقاً. وهذا سيمثّل تحدياً لترامب وهدية من السماء للزعيم الروسي فلاديمير بوتين، الذي تتمثل استراتيجيته دائماً في تقسيم الولايات المتحدة وأوروبا وإضعاف «حلف شمال الأطلسي» (الناتو).