جاء تقييم زواج الأمير البريطاني هاري والممثلة الأميركية «ميغان ماركل» في قلعة «ويندسور» يوم التاسع عشر من مايو الجاري، من قبل ملايين ممن شاهدوا الحفل عبر التلفاز، بأنه يُشكّل نجاحاً كبيراً. فقد استيقظ أكثر من ثلاثين مليون أميركي مبكراً لمشاهدة الحفل. وفي بريطانيا، أقيمت الاحتفالات في الشوارع طوال الليل عقب الاحتفال، في ظل أجواء الطقس الصيفي المثالية. وقد كان الحدث لحظة نادرة تحتفل فيها بريطانيا. فعلى مدار عامين منذ التصويت المصيري في يوليو 2016 على مغادرة الاتحاد الأوروبي (بريكسيت)، واجهت بريطانيا انقساماً شديداً بشأن مستقبلها. وبالمثل، منذ انتخاب الرئيس دونالد ترامب في نوفمبر 2016، انشغل الأميركيون بالسياسات الداخلية الجدلية وتضاؤل مكانة الولايات المتحدة كقوة عالمية بارزة. وكان الزواج نفسه ثورياً بالمعايير التاريخية للأسرة الملكية في بريطانيا. فالعروس أكبر بثلاثة أعوام من الأمير، وكانت قد تزوجت من قبل، والأكثر أهمية أنها من عرق مختلط؛ فوالدتها أميركية من أصول أفريقية، ووالدها أميركي من البيض. وقد عكس الاحتفال ذلك الواقع الجديد. فقد أدلى «مايكل كوري» أسقف كنيسة «إبيسكوبال»، بعظة مثيرة للاهتمام حول «الحب»، مستنبطة من كلمات وأعمال الدكتور «مارتين لوثر كينج». وغنّت جوقة منشدين أميركيين من أصول أفريقية أغنية «قف بجانبي» التي اشتهر بغنائها مطربون سود في ستينيات القرن الماضي. وفي نهاية الحفل، عزف الموسيقار «شيكو كانه-ماسون»، وهو شاب بريطاني أسود يبلغ من العمر 19 عاماً، مقطوعة موسيقية كلاسيكية للجمهور المحتشد. وفي بريطانيا حالياً، أضحت الملكية أكثر شعبية بفضل قدرة الملكة إليزابيث البالغة من العمر 92 عاماً. فقد استطاعت اجتياز عواصف الثمانينيات والتسعينيات التي شهدت انهيار زيجتي نجليها تشارلز وأندرو، والوفاة المأساوية للأميرة ديانا، الزوجة السابقة للأمير تشارلز، في حادث سيارة في باريس عام 1997 والاضطرابات التي أعقبت تعامل العائلة المالكة مع ترتيبات جنازة الأميرة ديانا. لكن بعد ذلك أدت سلسلة من الأحداث إلى تعزيز شعبية العائلة المالكة، ومنها اليوبيلان الذهبي والماسي للملكة في عامي 2002 و2012، وزواج الأمير المحبوب ويليام، والثاني في ترتيب وراثة العرش، من الشابة الجذابة كيت ميدلتون. ويأمل كثير من الأميركيين لو أن لديهم قائداً بمنزلة الملكة إليزابيث، يمكن أن يسمو فوق مرارة وجدلية السياسة اليومية. وقد كان للآباء المؤسسين للولايات المتحدة آراء متباينة بشأن قيمة الملكيات، فمن جانب قادوا ثورة للتخلص من مستعمرات الملك المستبد جورج الثالث. ومن جانب آخر، أدركوا إدراكاً تاماً مخاطر أن يكون لديهم رئيس يكون كذلك رئيساً للفرع التنفيذي للحكومة. بل إن «توماس جيفرسون» اقترح أن يكون هناك ملك أميركي بالانتخاب يحكم مدى الحياة، لكي لا يكون هناك توريث رئاسي. وخلال السنوات الأخيرة، لاحظ دارسو الديمقراطية الأوروبية أن تلك الدول التي توجد فيها ملكيات دستورية تعمل بمرونة أكثر وبتوترات سياسية أقل من تلك التي توجد فيها أنظمة جمهورية خالصة. وبعضٌ من أثرى الدول التي توجد بها أنظمة ملكية وأكثرها استقراراً في القارة العجوز، مثل «الدنمارك» و«السويد» و«النرويج»، شهدت حوادث متطرفة أقل بكثير من كثير من الجمهوريات المجاورة. ومهما يكن فإن الزواج الملكي لعام 2018 كان بمثابة تنفس هواء نقي في عالم مليء بالمشكلات التي تبدو عصيّة على الحل، والتحزب المقيت الذي زاد اهتياجاً بسبب التغطية الإعلامية على مدار الساعة لأمراض ومخاطر عصرنا.