ها هم العرب حالياً بين إسرائيل وإيران، فمن جانب تقوم إسرائيل يومياً بكافة الأفعال التي من شأنها استمرار إلحاق الأذى من قتل وتشريد للفلسطينيين وتهويد الأراضي العربية الفلسطينية واستيطان، ولا تلقي بالاً للتنديد والرفض الدولي في ظل غياب الوحدة العربية التي تساعد الشعب الفلسطيني على استرداد حقوقه المسلوبة وأرضه المحتلة، وفي مقدمتها القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وعاصمة فلسطين. وتستمر إسرائيل في تقديم نفسها «واحة الديمقراطية» بين الدول العربية «الديكتاتورية» والتي تدعي أنها تعمل على القضاء عليها متجاهلة دوماً أن العرب أصبحوا لا يسعون وراء إعادة الوطن الفلسطيني لشعبه، ولا لتنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لسنة 1947، والذي يقضي بتقسيم فلسطين لدولتين فلسطينية ويهودية، ويمنح الشعب الفلسطيني حق السيادة على ما يمثل 42.3% من مساحة فلسطين المحتلة، وإنما تسعى تلك الدول لتنفيذ مبادرة السلام المعلنة خلال قمة بيروت المنعقدة عام 2002، والمرتكزة على قرار مجلس الأمن رقم 242 لسنة 1967 والذي يقضي بانسحاب إسرائيل من كافة الأراضي الفلسطينية التي احتلتها خلال حرب 1967 والتي لا ترقى في مساحتها لنفس المساحة المنصوص عليها في القرار الدولي رقم 181. وعلى الجانب الآخر، توجد إيران التي تستمر في احتلال الجزر الإماراتية الثلاث وتسعي لامتلاك السلاح النووي وتصدير «الثورة الإسلامية»، وبث الفتنة الطائفية بين شعوب الدول العربية المجاورة لها، وتحاول قلب نظام الحكم في عدة دول ومنها مملكة البحرين واليمن بجانب نجاحها في السيطرة على المشهد السياسي في العراق وسوريا ولبنان من خلال أعوانها الذين لا يتمتعون سوى بالولاء لطهران وليس لأوطانهم. تلك هي حال العرب حالياً بين مطرقة إسرائيل وسندان إيران ومن المفارقات أن تقوم الأولى بالجهر بعدائها للثانية، بل والتهديد بشن الحرب عليها بل بلغ الأمر أن تطرح إسرائيل نفسها للدول العربية كحليف قوي وموثوق فيه ضد إيران. ولكن المتابع بدقة للسياسات الإسرائيلية تجاه إيران، يلاحظ أنها ترمي لرسم خطوط تواجد إيران في الدول العربية طالما لا تهدد إسرائيل عسكرياً أو تتمادى في تقوية ترسانتها العسكرية في تلك الدول. والأدلة على ذلك جلية، فإسرائيل لا تمانع في التواجد العسكري الإيراني في سوريا ولكن ضمن حدود معينة، وفي حال تجاوزت طهران تلك الحدود تقوم إسرائيل فوراً بمعاقبتها عسكرياً هناك. والأمر ذاته ينطبق على الدعم العسكري الإيراني ل«حزب الله الإرهابي» في لبنان طالما أنه لا يشكل ذلك تهديداً مباشراً على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية. إذن نحن أمام «تفاهم» إسرائيلي – إيراني على توزيع الأدوار، والضحية بشكل عام الدول العربية وبشكل خاص قضيتهم الأساس وهي الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والتي تكاد تضيع يومياً في ظل استمرار السياسات العدائية الإيرانية لدول المنطقة، وقيام إسرائيل بأداء دور «الرادع الأوحد» لأطماع إيران ورفض مبادرة السلام العربية. وبرأيي، فإن حل تلك الأزمة يقع بيد الدول العربية بمفردها والتي يجب أن تعيد النظر في سياساتها وأولوياتها وإعادة الثقة في قدراتها وإمكانياتها على ردع أي خطر يهددها مجتمعة لا متفرقة. فطالما كان الاتفاق العربي الإسلامي منذ قرون على ضرورة مواجهة الخطر الفارسي وامتداده المتمثل في «آيات الفتنة» الإيرانيين، ولكن الخطر الآخر الذي لا يجب إغفاله أيضاً هو استمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وضياع «القدس الشريف»، ولن يرضى الصهاينة مطلقا إلا باستمرار تفرقة العرب وتقسيم دولهم لدويلات وإضعافهم اقتصادياً وعسكرياً وثقافياً حتى في حال التطبيع الكامل معهم. فالخطر الإسرائيلي يفوق الخطر الإيراني جسامة، ولذلك لم يكن العرب في وقت هم في أمس الحاجة فيه لوقوفهم صفاً واحداً دون الاستعانة بأعدائهم لإعادة حقوقهم المسلوبة أكثر من الوقت الحالي قبل فوات الأوان وضياع الأرض والحق.